قد لا يعترف أحد قادة الإنقاذ وحزب المؤتمر الوطني الحاكم بأن الأمور في البلد لا تمضي على ما يرام ، ومن تلك الاعترافات ما أدلى به البروفيسور إبراهيم غندور القيادي بالمؤتمر الوطني في صالون الراحل سيد أحمد الخليفة قبل يومين . حينما قال إن هناك إخفاقات صاحبت الإنقاذ ، إضافة إلى (صفوف) غير مسبوقة يعيشها المواطن ، فضلاً عن تصريحات أخرى أدلى بها مختلف المسئولين عن توجيه الشرطة بأن الأداء بالناس ، وتلك اللهجة الاعتذارية التي تعد المواطنين بأن الأداء الاقتصادي ستتم معالجته قريباً لتعود الأمور إلى سابق عهدها ، أو تخبرهم بأن بصات الوالي ستنقل المحتجين وغير المحتجين، وأن حكومة ولاية الخرطوم ستهب عائداتها من أبراج الواحة الفخمة وسط العاصمة للفقراء والمساكين. تلك النبرة التصالحية التي شابت خطاب الإنقاذ عقب تعثر الاقتصاد وبدء حركة الاحتجاجات ، يرى البعض أنها نبرة طبيعية في ظل الظروف التي تعاني منها البلاد ، وتعبر عن إحساس السلطة السياسية بمعاناة الناس والجوع الذي اتسعت رقعته مع موجة الغلاء الفاحش الأخيرة ، ويستدل هؤلاء على إحساس رجال السلطة بآلام الوطن والمواطن بتلك الدموع التي ذرفها بعضهم عند انفصال الجنوب ، في المقابل يقول المعارضون إن تلك النبرة التصالحية عند بعض المسئولين والساسة حديثة عهد ، ولم يسمع أحد عن توجيه الشرطة أن تترفق بالناس أو عن اعتراف بخطأ سياسي أو تقصير اقتصادي قبل نزول المجتمع إلى الشارع. (الغريق قدام) كما يقول العارفون بأسرار الاقتصاد ومعادلاته ، فسياسة رفع الدعم عن المحروقات لا تزال في المهد صبية ولا يزال هناك دعم للمحروقات بنسبة 70% سيتم رفعه تدريجياً بحسب تصريحات الاقتصاديين في المؤتمر الوطني ، كما أن افتقار بنك السودان للدولار مرشح للاستمرار في المدى القصير ، وبالتالي يتوقع الخبراء المزيد من ارتفاع الأسعار ، ما يقود لطرح السؤال : هل تكفي تلك النبرة التصالحية لجعل الناس يحتملون ما هو كائن وما هو قادم من غلاء ..؟ يرى البعض أن السودانيين ترضيهم الكلمة الطيبة فقط ، تلك الكلمة (السمحة)، ما يعني أن فرض الحكومة إجراءات التقشف أول ما فرضتها على نفسها ، وتنازلها عن عائدات بعض استثماراتها لصالح الفقراء والمساكين ، إلى جانب الخطاب السياسي اللين المتصالح ، إجراءات كفيلة بمساعدة الناس على تجاوز الفقر وغيره من أشكال المعاناة ، في المقابل يحذر آخرون من أن الطبيعة النفسية والاجتماعية للسودانيين قد تغيرت خلال العقود الأخيرة ، ولم يعودوا ذلك الشعب الذي يرضى بمجرد كلمة طيبة من هنا أو هناك ، وسيطالب الحكومة عاجلاً أم آجلاً بتقديم حلول مادية ملموسة لمشكلة ارتفاع الأسعار والفقر الذي تتسع دائرته. أهم ما في تلك اللغة التصالحية التي لا تخطئها العين في خطاب الإنقاذ هذه الأيام ، ليس جدواها في معالجة مشاكل المواطن أو عدم جدواها ، يلفت البعض ، بل المهم فيها أنها تنم عن إدراك لحجم تدهور الأوضاع الاقتصادية ، وإدراك من جانب السلطة لتلك المعادلة القديمة : أن أسهم الحكام في البورصة الشعبية ترتفع مع امتلاء جيوب الناس وبطونهم ، وتتهاوى تلك الأسهم السياسية مع اتساع دائرة الفراغ في الجيوب والبطون..!!