الشريف زين العابدين الهندي وطني غيور متجرد، لا يحب الأضواء و لا تستهويه شهوة المناصب والمال ،ورجل مواقف قوية وخطيب لا يشق له غبار، لم تجذبه السلطة عندما اعتلى أرفع المواقع فيها نائبا لرئيس الوزراء فهو داخل وخارج السلطة مواطن متواضع لم تطأ قدمه منزل حكومة أو عربات الدولة. ولفظ المنصب لما تأكد له عدم جدوى وجوده ضمن طاقم السيد الصادق المهدى ولم يكن موقفه هروبا من المسئولية كما يروج البعض ولكن لانه يرفض وجود حزبه شريكا ديكوريا فى سلطة عاجزة عن التصدى لهموم الوطن، وان الائتلاف الذى ضم الحزب الاتحادى مع حزب الأمة لم يكن إلا تحالفا طائفيا لمصلحة السيد الصادق المهدي والسيد الميرغنى و لما رفض الميرغنى انسحاب الحزب الاتحادى من الحكومة انسحب من منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية و بشر بالانقلاب فى البرلمان وقد كان. الحلقة (3) في هذه الحلقة أتوقف في واحدة من أهم محطات الشريف زين العابدين الهندي، وهي محطة حافلة بالمفارقات أحاطها الكثير من الغموض وغابت عنها الكثير من الحقائق، والشريف لحق به ظلمٌ كبيرٌ حيث حسب موقفه من التجمع تخاذل مع أن الوقائع تؤكد أنه كان الأبعد نظراً، ولو علم الذين وصموه بالتخاذل الحقيقة لتوّجوه بطلاً وطنياً وحزبياً، ولكن عزوفه عن الأضواء ساعدت على الضبابية التي طوّقته وصنّفته بالخيانة الوطنية والخروج عن مبادئ الحزب مع أن الذين تاجروا بمبادئ الحزب وتسابقوا لإدانته هم الذين كشفت الأحداث أنهم الأكثر ارتباطاً بالنظام الحاكم.الشريف زين العابدين لم يكن بالسودان عند استيلاء الإسلاميين على الحكم، لهذا لم يكن بين القيادات التي أُودعت سجن كوبر لحظة قيام الانقلاب، بينما كان السيد محمد عثمان الميرغني ولأول مرة في تاريخه وتاريخ زعماء الختمية أن يكون زعيمهم ضيفاً على كوبر في أول حَدَثٍ من نوعه.لهذا السبب كان الشريف زين العابدين غياباً والميرغني حضوراً عند توقيع القيادات المعتقلة بسجن كوبر ميثاق التجمع التمهيدي، بينما كان الهندي غياباً ولهذا أهمية قصوى في تباين المواقف، التي لعبت دوراً في تحديد مواقف القيادات الاتحادية من التجمع.فلقد كانت انطلاقة التجمع في بدايته من القاهرة. ولكن الشريف عند وقوفه على الميثاق الموقّع بين قيادات الأحزاب المعارضة أبدى ملاحظتين مهمتين قبل أن تصبح ثلاث مع تطور الأحداث.فلقد كان واضحاً أنّ صياغة الميثاق تمّت تحت تأثير اليساريين الذين كانوا أكثر وجوداً بين المعتقلين، ولقد تضمّن الميثاق يومها:- 1- إدانة لما سُميت بالأحزاب التقليدية في مقدمته وتحميلها مسؤولية إخفاق الديمقراطية. 2- تكوين التجمع قام على تمثيل الأحزاب الموقّعة على الميثاق والقيادات النقابية ومن تمّت تسميتهم بالقيادات الوطنية، الأمر الذي أدى لأن تكون غالبية التجمع من الشيوعيين واليساريين.ولكن الشريف عند وقوفه على الميثاق أبدى تحفظات كبيرة ووجّه نقداً حاداً للميرغني لقبوله إدانة الحزب في مقدمة الميثاق وكان مصدر غضبه أنه إذا كانت طائفة الختمية تسأل عنالمشاركة في الانقلابات العسكرية فإن هذا لا يُدين حزب الحركة الوطنية الذي استشهد قادته في مناهضة الديكتاتورية العسكرية، كما اعترض على تمثيل ما يُسمى بالقيادات النقابية والوطنية بحجة أنّهم ممثلون في الأحزاب التي ينتمون إليها، وطالب الشريف بتعديل الميثاق ولكن أحداً لم يستجب له وكانت تلك بداية مواقفه من التجمع.ولكن وبالرغم من تجميد موقفه حتى يتم تعديل الميثاق إلاّ أنّ جماعته من الإتحاديين والذين شكلوا الأمانة العامة مَثّلوا يومها القوى الرئيسية للتجمع وكان مقر التجمع الدار الخاصة بهم في قصر النيل وهي الفترة التي ترأس التجمع فيها رحمة الله عليه القيادي البارز في الحزب وأحد نواب مذكرة السبعة عشر التي طالت الديمقراطية في الحزب محمد الحسن عبد الله ياسين وبقي الشريف على موقفه مُتمسكاً بشرطه لتعديل الميثاق.جاءت المرحلة الثانية من التجمع عندما انضمت الحركة الشعبية للتجمع ووقّعت على الميثاق عضواً فيه بعد الاتفاق على ما أسموه دولة السودان الموحّدة القائمة على المواطنة، وهنا بلغ خلاف الشريف مع التجمع مرحلة فاصلة حيث إنه رفض رفضاً باتاً قبول الحركة الشعبية في عضوية التجمع وعلّل رفضه على: 1- ان الحركة الشعبية كانت في حالة حرب مع الحكومة الديمقراطية قبل انقضاض الإسلاميين على السلطة، واعتبر حربه كانت على الديمقراطية، وان الحركة بررت موقفها يومها برفضها لقيادات الأحزاب التي عادت الآن لتقبل عضويتها مع نفس القيادات التي رفضتها وحاربتها وان تبقى عضواً في التنظيم الذي تقف على رأس أهدافه استرداد الديمقراطية، فكيف يستقيم ذلك وهي كانت في حالة حرب ضد الديمقراطية. ومن أهم عوامل اجهاضها: 2- إن الحركة تعتمد على العمل المسلح وإن التجمع ليس تنظيماً معارضاً بقوة السلاح ولا ينبغي أن يكون لأن استرداد الديمقراطية يجب أن يتم بقوة الشعب سلمياً بعد أن أثبتت المعارضة المسلحة فشلها في مواجهة الديكتاتورية في أكثر من مناسبة. 3- وهذا هو الأهم والأخطر، فإنّ الحركة الشعبية لها أجندة تختلف عن أجندة الأحزاب الشمالية وان على رأس أجندتها تهديداً لوحدة السودان.كانت مآخذ الشريف يومها على ضم الحركة الشعبية لعضوية التجمع لحظة فاصلة سَدّت الباب تماماً بين الشريف والتجمع واعتبرها نهاية الأمل في تحقيق التوافق مع التجمع، ليصبح الخط فاصلاً بين التجمع والإتحاديين مجموعة الشريف في القاهرة.جاءت المرحلة الثالثة الحاسمة عندما وصل للندن السيد محمد عثمان الميرغني بعد أن أُفرج عنه، ووصل للندن بجواز سفر أحمر صادر من حكومة الإنقاذ، ويومها بادر الإتحاديون بلندن بالاتصال به لعقد مؤتمر حزبي ليبيّن موقف الحزب المعارض من الحكومة، إلا أنه رفض حتى الإدلاء بتصريح بل أعلن صراحةً وعلانيةً لهم انه غادر السودان للعلاج وليس معارضاً، وإنه سافر باتفاق مع النظام وسيعود للسودان وكان موقفه صدمة كبيرة للاتحاديين، إلا أنه لم يكن موقفاً يتعارض مع تاريخ الطائفة وعلاقتها بالإنقلابات.ثم كانت الرحلة الأخيرة والفاصلة، التي لم يكن يتوقعها أحد حيث تطورت الأحداث بسرعة في أعقاب احتلال العراق للكويت والذي فَجّرَ خلافات حادة على مستوى العالم العربي، حيث انقلبت الأوضاع بسبب موقف الحكومة السودانية بجانب العراق الأمر الذي فَجَّرَ خلافات حادة بين دول الخليج ومصر من جهة والحكومة السودانية من جهة أخرى، وهنا مارست هذه القوى ضغوطاً عنيفة على السيد الميرغني الذي وجد نفسه مُجبراً ليعلن إدانته لحكومة الخرطوم لينتقل على ضوء ذلك لصفوف المعارضة بالخارج ويصرف النظر عن العودة للسودان كما كان التزامه الذي ملكه جوازاً احمر تحت حماية النظام، وكانت تلك هي الخطوة التي مهّدت طريقه لرئاسة التجمع ليُحظى التجمع بدعم دول الخليج الذي استفادت منه الحركة الشعبية وليس التجمع.هكذا كان خروج الشريف نهائياً من أي ارتباط بالتجمع وليدخل السيد محمد عثمان الميرغني التجمع من بوابة احتلال العراق للكويت.والى الحلقة القادمة لنقف على أخطر مرحلة في مسيرة التجمع وموقف الشريف منها.