فيما بدا أنه آخر اجتماع لمجلس وزراء حكومة ولاية النيل الأبيض، غاب وزير التخطيط العمراني الأمر الذي لفت الانتباه لأمور حدثت لاحقاً وإن كانت متوقعة، في مساء يوم الاجتماع نفسه تسرّبت معلومات عن دفع الوزير باستقالته للوالي، بعدها غادر الوزير الولاية واعتصم بمنزله في الخرطوم وأغلق هاتفه الجوّال. لاحقاً.. وبعد مرور حوالي ثلاثة أيام من استقالة اللواء الطيب الجزار وزير التخطيط، اعتذر د. عبد الله عبد الكريم وزير الصحة بالولاية عن المشاركة في حكومة الولاية، مما زاد الأمور تعقيداً سواء بالنسبة للوالي الذي كان بصدد الإعلان عن حكومته الجديدة ذات الطابع التقشفي أو بالنسبة لأبناء كوستي الذين ساندوا أبناءها الثلاثة في حكومة الولاية (بينهم معتمد كوستي السابق، معتمد ربك حالياً) بعد أن تعرضوا لمحاولات إقصاء من قبل من بات يطلق عليهم (الكباتن). وعند أداء حكومة الولاية الجديدة القَسَم الأسبوع قبل الماضي، توعد الوالي يوسف الشنبلي من لم يحضر من وزرائه الستة باتخاذ إجراءات صارمة - لم يفصح عنها - في إشارة لوزير التخطيط العمراني المستقيل الذي أعيد تعيينه وزيراً للشؤون الاجتماعية والثقافية، ووزير الصحة الذي بقي منصبه شاغراً لحين استنفاد كل الوساطات الجارية من قبل أبناء وأعيان كوستي لإثنائه عن قرار الاعتذار عن المشاركة، غير أن تصريحات الوالي التي فاحت منها رائحة غضب مكتوم، كشفت عن خلفيات الاستقالة والاعتذار، ورغم أن اللواء الطيب الجزار يعتبر من أميز الوزراء الذين مروا على الوزارة في السنوات الأخيرة، إلاّ أنّ ثمة عراقيل ظلّت تواجهه في تنفيذ سياساته الجديدة التي أثارت جدلاً واسعاً وإن كان جل ما يدور من حديث يحسب لصالحه، فالجزار الذي وقف أمام نواب المجلس التشريعي كشف النقاب عن حجم الفساد في وزارته والإجراءات التي اتخذها لمحاربته، ولكن حرب الفساد التي قادها الوزير بإجراء تنقلات واسعة في أوساط إدارته وتحجيمه لدور بعض الموظفين الذين دارت حولهم شبهات أو ثبت تورطهم في قضايا فساد سابقة، وضعته في مواجهة مع بعض أركان حكومة الولاية، وتقف قضية أراضي الدويم شاهداً على التدخلات السياسية لقيادات رفيعة المستوى (سبق للوزير أن ألغى تصاديق أراضٍ مميزة تخص القيادات المعنية) لجهة إغلاق الملف بعد ثبوت متورطين لهم صلات نسب أو قرابة ببعض المسؤولين. كما أن خطة الجزار الموسومة (الأرض مقابل التنمية) التي كان يعول عليها كثيراً في إحداث اختراق نوعي في ملف التنمية المتعثرة منذ انطلاقتها في العام 2006م وُوجهت هي الأخرى بعراقيل، الأمر الذي أدى لتجميدها طوال الفترة من يناير وحتى يونيو 2011م حيث بدأ تنفيذها بعد تلويح الوزير باستقالته للمرة الأولى، وقد حققت الخطة اختراقاً فعلياً على مستوى مشروعات المياه والصحة والتعليم والطرق والكهرباء. إلى ذلك، فإنّ عدم تعيين الجزار نائباً للوالي كما أوصى المركز وإصرار الوالي في الإبقاء على المنصب شاغراً وتكليف وزير الثروة الحيوانية السابق، وزير التخطيط العمراني حالياً بمهام نائب الوالي، خلق أزمة مكتومة بين الوالي والجزار من جهة، وبين الوالي وأبناء كوستي الذين يدعمون الجزار من جهة أخرى، وكانت قد تسرّبت معلومات قبيل عيد الأضحى الماضي للصحف عن مغادرة الجزار الولاية إلى الخرطوم وحزم حقائبه مغاضباً الوالي، ولكن الجزار أكد ل (الرأي العام) وقتها أن العلاقة بينه وبين الوالي قائمة على الاحترام المتبادل (والاختلاف الموضوعي) في إشارة لوجود خلافات سابقة وإن لم يفصح عنها بشكلٍ مباشرٍ، ونفى في الوقت نفسه المعلومات التي تحدثت عن حزمه حقائبه ومغادرته الولاية مغاضباً ورفضه ممارسة مهامه في عيد الأضحى الماضي، ولكن استقالة الجزار الأخيرة أعدت الأمور للمربع الأول وفي حين رفض الجزار التعليق على الأمر، أشارت معلومات موثوقة إلى أن أعيان كوستي عقدوا اجتماعاً مع الجزار بحضور وزير الصحة والأمين علي الأمين وعبد الله عبد السلام لإقناعه بالتراجع عن استقالته وقبوله المنصب الجديد، لكنه تمسك بموقفه حيث يتوقع أن يدفع باستقالته الثانية من المنصب، وكان د. عبد الله عبد الكريم وزير الصحة اعتذر عن المشاركة ليلحق بابن مدينته كوستي الجزار، وعزا الوزير استقالته وفقاً لتصريحه ل (الرأي العام) لتحفظات تتعلق بتوفير التمويل لمشروعاته، وهي ذات الأسباب التي ساقها في سياق تقرير أداء للربع الأول أمام نواب المجلس التشريعي، ويخشى الكثيرون من أن يكون غياب عبد الله عن الوزارة التي كانت إلى وقت قريب وزارة ترضيات، نذير شؤم بتراجع الخدمات الصحية عموماً وما تم إنجازه على مستوى المستشفيات في المدن الكبرى (كوستي وربك والدويم) والريف وخفض نسبة وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولاية لحدها الأدنى، بجانب تراجع نسبة الإصابة بالملاريا لأقل من (40%)، وهو الأمر الذي أعلن وزير الصحة نفسه عن خشيته من حدوثه في تقريره لنواب المجلس، وكان د. عبد الله قال ل (الرأي العام) إن استمرار الأوضاع على ما هو عليه لا سيما في جانب توفير التمويل من قبل حكومة الولاية ستعيد (الأمور برمتها) للمربع الأول الذي انطلق منه قبل نحو عامين قضاهما في منصبه. وقد شكّل غياب وزير الصحة، بجانب وزير التخطيط العمراني السابق، وزير الشؤون الاجتماعية الحالي عن أداء القَسَم نقطة تحول خطيرة في حكومة الولاية، خاصةً ان كليهما ما زال يتمسك بموقفه مما يعني حدوث فراغ دستوري حتى إن نجح الوالي في ملئه فإن الأسئلة الساخنة تظل قائمة!! وحديث الوالي يوسف الشنبلي عند أداء حكومته ذات الطابع التقشفي المعلن القَسَم، بأنه لن يترك الأمر يمر بسلام في إشارة لغياب الوزيرين، وقوله: (أي زول ما حضر عندنا معاهو كلام تاني)، يعني أن (الكلام) سيستمر طويلاً في سبيل إيجاد تفسير لغياب أفضل أركان حكومة الولاية عن الحكومة الجديدة.