قبيل نحو أربعة أشهر جمع والي النيل الأبيض يوسف الشنبلي أركان حكومته ومراسلي الصحف والقنوات الفضائية، كان الاجتماع أقرب لحفل وداع بعض أركان حكومته التي لم يمض عليها (وقتها) سوى ستة أشهر، وقد طلب الشنبلي من الصحافيين على وجه الخصوص الابتعاد عن التأويلات والانسياق وراء التخمينات خاصة فيما يلي مصير المحليات التسع ولجان المجلس التشريعي في التعديل الوزاري المرتقب، ولم ينطلق الوالي في هجومه على الصحافة منطلقا بدا وقتها بل قبل نحو عامين عندما واجه الإعلان عن الحكومة المنتخبة الجديدة انتقادات وضعتها في مهب العاصفة، فالنظرة للحكومة المنتخبة كانت مختلفة كلياً عن النظرة للحكومات السابقة اذ أنها كانت تأتي بالتعيين ووفقا لموازنات قبلية وجهوية وترضيات سياسية، وكانت كل اتجاهات الرأي العام تتطلع لحكومة ذات طابع جديد ينبذ القبلية ويضع معايير للاختيار للمنصب العام لاسيما أن الحكومة المنتخبة كانت حكومة برنامج على حد قول الوالي نفسه، ولكن عودة الوجوه القديمة وسيطرة ما بات يطلق عليهم (الكباتن) على مجلس شورى الوطني والمكتب القيادي خيبت آمال الكثيرين، اذ كان يتوقع اختفاء وجوه كثيرة مثيرة للجدل كانت وما زالت لها دور في علو كعب النزعة القبلية التي ظلت تستغلها أسوأ استغلال على مر السنوات الماضية للحفاظ على مناصبها رغم ميراثها المثقل بالفشل، أمضت الحكومة الاولى بعد الانتخابات أقل من عام بعد أن طفت للسطح نتائج عدم الانسجام بين مكوناتها، وقد ظلت حالة الاستقطاب الحادة ومحاولات الاقصاء الممنهج من بعض أركانها للبعض الآخر لاسيما المسؤولون الذين لا ينتمون لكبرى القبائل التي تسيطر على مقاليد الأمور، انتهى عهد الحكومة الاولى ولم تتحرك مشروعات التنمية المجمدة منذ عام 2007م التحرك المرتقب وفقا للبرنامج الانتخابي للمؤتمر الوطني، وحتى المشاريع التي بدا أنها ستشكل ملامح المرحلة القادمة كمشروعات إنارة (142) قرية وحيا ومشروع الملاحة (يشكل أكبر مجمع للمشروعات الزراعية) وكهرباء أم دباكر والطرق والمياه ومشروعات التعليم.. ألخ، لم تشهد تقدماً يذكر. فالشركات المنفذة لمشروعات الكهرباء فشلت ومشروع الملاحة الذي تقول حكومة الولاية إن العمل فيه قطع أشواطا بعيدة (حوالي 90%) مازال ينتظر الدعم المركزي، وفيما يلي مشروعات الطرق فان جملة ما نفذ حتى الآن في كوستي وربك والدويم لم يبلغ ثلاثين كيلو مترا من جملة مائة كيلو بدأ العمل فيها أواخر العام 2006م، كما ان محطات المياه في كوستي وربك لن تنفذ قريبا على حد اعتراف وزير التخطيط العمراني الأسبق اللواء الطيب الجزار، وحتى ما أنجز من مشروعات المياه لم يقلل كثيرا من نسبة العطش الذي كان أحد اهم أجندة البرنامج الانتخابي للمؤتمر الوطني، إضافة فان قضايا العدالة في توزيع المدارس والفصول والمكاتب ظلت منتقصة وحتى ما انجز في مجال التعليم لم ينقذ مدارس الريف الجنوبي لكوستي من الانهيار حيث هنالك (15) مدرسة تحولت لمكب نفايات، وعندما أعلن الوالي عن حل الحكومة المنتخبة الاولى دعا أركان حكومته الجديدة عقب ادائهم القسم للالتفات لقضايا الاستقرار الوظيفي في المحليات والوزارات ومعالجة مظاهر الفوضى في ترتيب الاولويات والحفاظ على هيبة الدولة، واكد الشنبلي وقتها ان من المهام العصية التي تنتظر الحكومة الجديدة الاجابة على مشكلات القضايا العالقة خاصة في المجال التنموي والخدمي. واشار الى ان نهجا جديدا سيطبق في الحكم على اداء الجهاز التنفيذي عبر تقييم الأداء كل ستة اشهر، واضاف: ( من أحسن سنقول له أحسنت ومن اخفق سنحسب له انه اجتهد)، وقال الشنبلي ان الوفاء بالبرنامج الانتخابي سيكون اولوية حكومته إضافة للتنسيق والانسجام بين كافة الأجهزة، ووجه أركان حربه بالنزول للقواعد وحلحلة المشاكل في الميدان، واكد ان مظاهر الفوضى السابقة في ادارة المحليات الجديدة من محليات اخرى، في اشارة الى بعض المعتمدين الذين يديرون شئون محلياتهم من كوستي أو ربك، ستنتهي ببقاء المعتمدين في محلياتهم، ومضت الشهور الستة التي حددها الوالي وأعلن عن تعديلات جديدة ادت لتقليص الوزارات من تسع الى ست في اطار سياسة التقشف الجديدة وأبقى على حصة الاحزاب المشاركة دون تغيير يذكر على ان يعلن عن بقية الاجراءات في وقته ، في حين أبقى على الوضع في المحليات التسع كما هو وكذلك لجان المجلس التشريعي التي أعلن عن تشكليها مؤخرا لتخفض من ثمانية الى اربعة، ولكن هل حققت الحكومة ذات الطابع التقشفي بعض أهدافها؟، هل تم الالتزام بموجهات وقرارت الوالي التي اتخذها في سياق إعادة هيكلة الحكم بما يتوافق مع السياسات العامة للدولة؟، مرت حتى الآن حوالي أربعة أشهر ولم يحدث جديد يذكر ، وعدا عقد القرض الذي أبرمته وزارة المالية بقيمة (40) مليون جنيه، فإن الكثير من مشروعات التنمية الضخمة كمشروع الملاحة وكهربة القرى والأحياء والمياه والصحة والتعليم والطرق لم يحدث فيها أي حراك يذكر، كما ان تأخير الإعلان عن خفض عدد المحليات اثر سلبا على الاجراءات التقشفية الاخيرة إضافة الى ان القرارات والخطوات التي اعلن عنها الوالي فيما يلي الغاء التعاقدات الخاصة والتعيينات المؤقتة لم تنفذ، فالكثير من المتعاقدين بنظام المشاهرة في الوزارات والمحليات والادارات المختلفة مازالوا يمارسون أعمالهم بجانب استمرار العمالة المؤقتة في العمل، وكانت وزارة المالية المعنية بتنفيذ توجيهات وقرارات الوالي ألغت ايجارات العربات للدستوريين ومديري الإدارات، ولكنها بالمقابل اشترت عدداً من سيارات (برادو) موديل 2012م بالاضافة لعدد آخر من السيارات لبعض الوزارات والمحليات وأمانة الحكومة ليتضخم بذلك الصرف ويحدث العجز في المرتبات من جديد، بعد ان شهدت استقرارا نوعيا في الفترة الماضية، وفي خطابه الاخير امام نواب المجلس التشريعي في فاتحة دورة انعقاده الخامسة واجه الوالي انتقادات حادة من بعض النواب وصفت أداء حكومته بغير المنسجم، بل ودمغت بالفشل في تنفيذ الوعود والبرنامج الانتخابي، وكان النائب الطاهر البدوي قال إن خطاب الوالي لم يأت بجديد، وكان نسخة مكررة من الخطابات السابقة (وحوى وعودا وعبارات من شاكلة سوف ننفذ كذا كذا)، والى حين ايفاء حكومة الولاية بإيجاد اجابات حول الأسئلة التي تدور عن تخلف الولاية تنموياً ومدى جدوى سياسة التقشف الحكومي، وعما اذا كان هنالك تقشف أصلاً؟، يبقى الوضع على ما هو عليه في ظل وجود مؤشرات عن احتمال حدوث تراجع حتى في المشروعات التي تم تنفيذها لغياب مبادئ المتابعة والمحاسبة والاستمرارية في الحفاظ على الإنجازات متى وجدت.