يبدو أن المؤتمر الوطني قرر أخيراً، التفاوض مع قطاع الشمال بالحركة الشعبية الذي يقود حرباً عبثية في جنوب كردفان منذ خسارته لنتيجة الانتخابات هناك، إلى جانب حرب في النيل الأزرق منذ نسف الاتفاق الإطاري الذي وقّعه بأديس د. نافع ومالك عقار.يدرك الوطني جيداً إن إقدامه على مثل هذه الخطوة مع قطاع الشمال لن يكون أمراً سهلاً، فهناك الكثير من الأصوات والأقلام الناقدة التي تتربص بأي تقارب مع القطاع حتى وإن كان لضرورة السلام، ولذلك عمد إلى تهيئة الرأي العام ب (التقسيط) المريح، وكانت تصريحات د. مندور المهدي بدراسة المؤتمر الوطني للتفاوض مع قطاع الشمال أولى الخطوات في هذا الإتجاه.ورغم مَشَاعر الغضب لدى البعض من هذه الخطوة المحتملة، إلا أن التاريخ ينبئنا بأنه ما من حرب إلاّ وكانت نهايتها بالتفاوض. وقد استطالت الحرب المنسية في جنوب كردفان، ودفع المواطنون هناك ثمناً غالياً خصماً على حساب تنميتهم وأمنهم رغم المجهودات الجبّارة التي يقوم بها الوالي أحمد هارون وهو يسعى لإدارة عجلة التنمية رغم الحرب، والتأكيد على أن الحركة الشعبية لن تستطيع تحقيق أي من أهدافها السياسية بوسائل حربية.صحيح انّ الأوضاع هناك تحت السيطرة، ولكن ليس هذا هو الوضع الأفضل بالتأكيد، فمن حق الناس بجنوب كردفان والنيل الأزرق أن تطوي صفحة حرب الغوريلا التي لن يتحقق فيها نصر حاسم على المدى القريب رغم الضربات الموجعة التي تلقاها مقاتلو قطاع الشمال بالجيش الشعبي ممن يعانون أوضاعاً عسكرية بائسة تغري بأن ينخرطوا في عملية السلام بجدية هذه المرة، كما أن الأوضاع في الوطني والحركة الشعبية تهيئ الأجواء لتسوية سياسية إضطرارية تغيّر من أدوات الصراع، وتُحوِّله إلى صراع سلمي محكوم بقواعد اللعبة الديمقراطية.من الآخر، تطاول أمد الحرب أثبت أن الرافضين للتفاوض والاتفاق مع الحركة الشعبية قطاع الشمال لا يملكون بدائل للسلام، وأن البديل الوحيد فيما يبدو هو استمرار الحرب بخسائرها غير المحتملة، فلذلك ثمة ضرورة ملحة في أن يتناسى الطرفان طعم المرارات السابقة، ويَتم تغليب خيار السلام الإستراتيجي على ما عداه من خيارات تكتيكية أخرى. فنرى قريباً تفاوضاً واتفاقاً بين (عبد الرحيم وعقار) يتفادى أخطاء اتفاق (نافع - عقار) ويعزز من إيجابياته حتى تطوى صفحة الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق بعد أن ومضت بارقة أمل لذلك بالجلوس للتفاوض بين المتحاربين.