لايشكك منصف في احترام وعلم أغلب من وقفوا ضد التفاوض مع قطاع الشمال بالحركة الشعبية من العلماء والكتاب وغيرهم من القوى المجتمعية الحية. فقد أوردوا جميعاً الكثير من الحيثيات لإسناد موقفهم المتشدد من الجلوس للتفاوض، مجرد الجلوس مع الحركة الشعبية ناهيك عن الإتفاق معها.لكن السؤال الذي ظل يبحث بإلحاح عن إجابة مقنعة بعد كل إعلان لموقف كهذا يتمحور حول البديل الموضوعي لهذا الرفض.. وهل من بديل للتفاوض غير إستمرار الحرب العبثية بكل خسائرها البشرية والمادية الفادحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق؟.بالطبع لا يمتلك أي من الرافضين للتفاوض إجابة أو تصوراً لكيفية إحلال السلام في المنطقتين، وكلما تطلب من أحدهم إقتراح بدائل للتفاوض الذي يجىء هذه المرة تحت ضغوط دولية متكاثفة بفضل القرار 2046، فلن يقدم لك في الواقع سوى هجوم عنيف على قطاع الشمال، هجوم علمانيته، وإستقوائه بالأجنبى، وتطلعاته المخيفة، وأشياء من هذا القبيل.الذي لم يقله الرافضون للتفاوض مع قطاع الشمال بالحركة الشعبية هو أن يستمر القتال حتى آخر طلقة لدى القوات المسلحة، وحتى فناء آخر جندى بالجيش الشعبي الفرقتين التاسعة والعاشرة بجنوب كردفان والنيل الأزرق، فهل مثل هذا الأمر المنظور على المدى القريب أو البعيد حتى؟.بعيداً عن تجاسر البعض بإطلاق فتاوى في قضية التفاوض الإجتهادية التي تتطلب مراعاة المصلحة العامة وحرمة النفس البشرية، فإن رفض الحوار، ينبعث أحياناً من أسباب نفسية تتعلق بعدم التصالح وقبول قادة قطاع الشمال خاصة (عرمان وعقار) في المعادلة السياسية بالبلاد بعد الإعتقاد بأن حزب الحركة الشعبية الذي يجمعهما قد مات بعد الإنفصال، أو على أحسن الأحوال أصبح حزباً علمانياً أجنبياً لا يجوز أن يعمل في دولة الشريعة.التفاوض في حد ذاته سلاح، وفي أحايين كثيرة يكون أمضى من السلاح نفسه، فهو الحرب بوسائل أقل خشونة، وبرفض التفاوض تجرد نفسك من سلاح مهم ربما كان أمضى من الذي يستخدم في مناطق العمليات. بالتالي فالأوفق أن يقبل التفاوض، مبدأ التفاوض ويرفض القبول بأى تنازلات في غير مصلحة البلاد.من الآخر، ليس هناك من حرب مهما إستطالت وأحرزت فيها الإنتصارات التكتيكية، إلا وحسمت في النهاية على طاولات التفاوض وليس على ميادين المعارك. فالكسب في تلك الميادين لا يعدو أن يكون تحسيناً للمواقف التفاوضية بهدف الوصول لتسوية سلمية عادلة تطوى صفحة الإحتراب، وتفتح آفاقاً للسلام المستدام.