مفاجأة من العيار الثقيل ، هكذا وصف البعض أمس حديث د.محمد مندور المهدي عن مشاورات تجرى داخل المؤتمر الوطني بشأن التفاوض مع قطاع الشمال، فيما وصفها آخرون بأنها بداية لتحول مكشوف في المواقف التي ظلت على حالها المتدهور بين الجانبين منذ وقف التفاوض المباشر بينهما عقب فشل اتفاق (نافع-عقار) الإطاري ، فلم يعد هناك غير الرصاص. ضبابية وضعية قطاع الشمال بالنسبة للدولة والمؤتمر الوطني تبدو في طريقها للانقشاع بعدما أكد د. محمد مندور المهدي نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم عضو القطاع السياسي ان التفاوض مع قطاع الشمال قيد النظر، وان هناك نقاشا داخل اروقة الوطني ، بعد أن طلب قطاع الشمال من الوساطة ان يبدأ حواراً مع وفد التفاوض الموجود في بحر دار، ولا يزال الطلب قيد النظر.مفاجئة العيار الثقيل فجرتها دوائر محسوبة على الحزب الحاكم ، أبدت تخوفها من أن يكون تراجع الوطني ، بداية لإعادة انتاج اتفاق يونيو 2011م الممهور بتوقيع د. نافع علي نافع والفريق مالك عقار ، ونسفه المكتب القيادي للحزب، ثم الرئيس البشير ذات جمعة بعد عودته من زيارة الصين الشهيرة ، والقول ب(لا) لنيفاشا تو، فالاتفاق ذاك كان يؤسس للاعتراف بحزب يعد نداً للمؤتمر الوطني وله القدرة على تحديه تحدياً سافراً، كما يتيح امكانية خلق وضعية خاصة للنيل الازرق وجنوب كردفان، ليتخذ الوطني جملة من التكتيكات جعلت قطاع الشمال خارج دائرة الفعل السياسي وضمن خندق الحركات المسلحة.بيد أن المجتمع الدولي نصب مقصلته لتحطيم تكتيكات الوطني في سياق تردده الحالي او ربما اتاحته الفرصة للحديث عن احتمالية التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال ، فجر توقعات المراقبين بأن تثير الخطوة حراكاً واسعاً شاجباً ومديناً من قبل التيار الرافض داخل الوطني ومن شايعه في منبر السلام العادل.القرار الاممي 2046، لم يحفل بتفاعلات البيئة الداخلية السودانية ولا بتذمر الرافضين من سياسيي الحزب الحاكم ، وبدا واضحاً ومباشراً في الاعتراف بالقطاع ، قاطعاً على الخرطوم جدلها الكثيف حول تفسير النص وتجيير عباراته ، مطالباً بالتفاوض معه دون تحفظ .. ما أطلق عنان المخاوف من أن يتسبب ذلك في أزمة واسعة النطاق بسبب نمو تيار الرفض، بعدما نجحت الحكومة في تكريس قناعة بأن قطاع الشمال تم إقحامه إقحاماً في قرار مجلس الأمن.وعمل البعض على تبرير رفض الحكومة للتفاوض مع القطاع سابقاً بمبرر أن النزاع بين الخرطوم وجوبا هو نزاع بين دولتين مستقلتين ذات سيادة يناقش الحدود والنفط والمناطق المتنازع عليها، من ثم في تقدير الوطني فإن قطاع الشمال ليس جزءاً من المشهد باعتباره شأناً داخلياً.الوطني حرص طيلة الفترة الماضية على تكذيب الواقع وسعى لذر الرماد في العيون، معتبراً ظهور قيادات القطاع باديس ابابا في أوقات سابقة، أمراً لا يعنيه في البداية ، قبل ان تنهال تبريرات أخرى أخف وطأة ترى أن القطاع حضر الى اديس بهدف فك الارتباط بين الجنوب والفرقتين التاسعة والعاشرة في النيل الازرق وجنوب كردفان، التي تقول الخرطوم إنهما تتبعان للجنوب عسكرياً ودعماً لوجستياً رغم شمالية مكوناتهما البشرية ، وهو ما استبعده السفير الرشيد ابو شامة أن يكون موضوع الفرقتين سبباً لوجود قيادات قطاع الشمال بأديس ابابا ، وقال ل(الرأي العام) (إن التفاوض حيال فك الارتباط بالفرقتين التاسعة والعاشرة، يتم مع حكومة الجنوب، في سياق الخارطة الموضوعة للتفاوض، بحكم أن الجنوب ظل يدعمهم ويسدد مرتباتهم الشهرية، وظل المفاوض الحكومي يطالب بايقاف ذلك).و أضاف : (وجود قيادات القطاع محاولة لدفع الترتيبات الامنية خطوات الى الامام عبر اقناع الاطراف بالتفاوض، ومحاولة لتتلمس الوساطة كيفية الحل، والاقتراب من المشكلة، ومدى امكانية قبول الخرطوم التفاوض معه).رغماً عن حيرة الكثيرين حيال الموقف الحكومي أو الحزب الحاكم من قطاع الشمال، إلا أن حديث د. محمد مندور المهدي يشير بصورة أو بأخرى لامكانية ذلك، وتدني نسبة المناورة بحكم اقتراب نهاية المهلة الممنوحة من مجلس الأمن لتحقيق استقرار كلي ، كما أن كثيرين قطعوا بأن اعتراف الخرطوم أو عدمه بالقطاع لا يجدي نفعاً طالما أشار اليه قرار مجلس الامن، الذي أعلن المؤتمر الوطني التزامه به.قطاع الشمال الذي فقد الكثيرين ممن إنحازوا للسلام بعد أن حمل السلاح، بدا حريصاً على الجلوس مع الوفد السوداني بتقديمه طلباً للوساطة طبقاً للتقارير الاعلامية، ما يعبر عن ثقته في قدرته على الوصول لحلول سلمية، حال جلس الوفد الحكومي معهم في سياق الوساطة وخارطة الطريق الموضوعة..عودة قطاع الشمال محمولاً على قرار أممي واعتراف عابر للحدود، أعتبره مراقبون خطراً من جانبين : أولهما على الحكومة المركزية نفسها باعتبار أن القطاع سيوقع اتفاقاً مشهوداً اممياً واقليمياً بالتالي يمكنه الاصطياد في المياه العكرة ورفع سقوفه متذرعاً بعدم التزام الوطني أو تلكؤه في انفاذ ما تم التوقيع عليه ، ما يجعل الوطني تحت رقابة قطاع الشمال..ثانيهما : إن عودة القطاع عبر البوابة الاممية تلك ، تجعل الخارجين على القطاع على من تخلوا عنه في وقت سابق، ويسحب بساط الاهتمام الحكومي منهم، وهو ما يرفضه رمضان يس معتمد شئون الرئاسة بالنيل الازرق والامين العام لحزب الحركة القومية للسلام والتنمية ، وقال في وقت سابق ل(الرأي العام): (نرحب بأي حل في الولايتين ، واذا اعترفت الحكومة بقطاع الشمال ووصلت معهم لحلول فاننا ندعم ذلك، ويجب أن يكون التفاوض سودانياً سودانياً) ، وأضاف : (نحن لا نعترف بقطاع الشمال لأنه ضد الدستور باعتبار أن الجنوب انفصل)، كاشفاً عن وضع رؤيتهم وطرحها للحكومة عند التفاوض حول المنطقتين في أديس أبابا..القول الفصل في مشهد قطاع الشمال بأديس أبابا وانخراطه في اجتماعات الوساطة، وربما دخوله في مفاوضات الترتيبات الامنية، جاء على لسان الخبير بالاتحاد الافريقي د.ابراهيم دقش بحسمه الجدل قاطعاً في حديثه ل(الرأي العام) بأن وجود قطاع الشمال على الاراضي الاثيوبية مرتبط بالترتيبات الامنية في جنوب كردفان والنيل الازرق.. ومن ثم يصبح من المنتظر أن تعلن الخرطوم بين فينة وأخرى نسخها لاتفاق (نافع/ عقار) باتفاق يحمل في طياته نهاية مأساة جنوب كردفان والنيل الازرق، الامر الذي سيجد عاصفة من الرفض اعتاد عليها الوفد المفاوض لكنه هذه المرة يبدو مدفوعاً بتركيز المجتمع الدولي ، ما يجعل الاعتراف بقطاع الشمال أمراً لا مفر منه..مصادر ل(الرأي العام) مقربة من المفاوضات أكدت أن قطاع الشمال، كان ضمن السقوط سهواً من ذاكرة الطرفين المتفاوضين بأديس.عموماً ، وافق الوطني أو لم يوافق وثارت قياداته أو لم تثر ، الا أن المشهد يقول إن التفاوض مع قطاع الشمال اضحى فرض عين، خصوصاً وان الوطني وقطاع الشمال العامل المشترك بينهما الجنوب، فتفاوض الوطني مع الجنوب وتحقيق اختراق مرتبط بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بينهما في السابع من يوليو بمفاوضة قطاع الشمال، كما أن قطاع الشمال يدخل التفاوض مع الوطني وفي ذاكرته مصلحة الجنوب، اي ان الفاعل في المشهد هو الجنوب، فهل كلا الطرفين الشماليين (مداح ودراويش).؟؟