من جديد، عادت الأضواء ساطعة على وجوه قيادات الحركة الشعبية – قطاع الشمال الذين يقودون تمردا في جنوب كردفان والنيل الأزرق، انطلاقا من ردهات وأروقة فنادق العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا حيث تجري المفاوضات بين دولتي السودان وجنوب السودان حول جملة من القضايا العالقة. ووسائل الإعلام التي التقطت صورا للقادة الثلاثة – مالك عقار وعبد العزيز الحلو وياسر عرمان – لم تكتف بتلك الصور ولكنها نقلت أخبارا مفادها انضمام الحركة الشعبية – قطاع الشمال إلى المفاوضات الجارية في أديس أبابا، وهي الأنباء التي لم تؤكد صحتها بعد. ما يعتبر جديدا في الأمر هو ما كشفه حزب المؤتمر الوطني الحاكم، على لسان عضو القطاع السياسي، نائب رئيس الحزب بولاية الخرطوم الدكتور محمد مندور المهدي، في تصريحات أول أمس، من أن أجهزة الحزب تدرس إمكانية التفاوض مع قطاع الشمال. ومع أن الدكتور مندور أكد أن الأمر لا يزال مثار تداول ونقاش في أضابير المؤتمر الوطني، توقعت تقارير صحفية لقاءً وشيكا بين الطرفين بمبادرة من الوساطة الأفريقية. عودة الأضواء إلى القادة الثلاثة في أديس أبابا، لم تكن وليدة هذه الأيام ولكنها تعود إلى حيثيات ووقائع متعددة الجوانب، لكن محللين يعتبرون أن الوصول المفاجئ للقادة الثلاثة إلى مقر المفاوضات في أديس أبابا، ظهر الثالث من يونيو الماضي، كان بداية لانتقال ما لم تتبين ملامحه. ففي ذلك التاريخ وصل إلى العاصمة الإثيوبية، وفد من الحركة الشعبية - قطاع الشمال، يقوده رئيسه مالك عقار وأمينه العام ياسر عرمان، ودخل الرجلان فور وصولهما في اجتماعات مع آلية الوساطة الأفريقية التي ترعى المفاوضات بين الخرطوم وجوبا. ومع أن وصولهما – عقار وعرمان - إلى مقر المفاوضات جاء قبل يوم واحد على بدء اجتماعات اللجنة السياسية والأمنية المشتركة بين دولتي السودان وجنوب السودان، نفت حكومة الخرطوم أية علاقة لها بحضور عقار وعرمان إلى مقر المباحثات، بينما أوضحت الوساطة الأفريقية أن زيارة قطاع الشمال تتصل بتنفيذ جانب من قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في الثاني من مايو الماضي، يتعلق بالجوانب الإنسانية. وأعلن حزب المؤتمر الوطني، حينها أن وصول رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال، وأمينها العام، إلى مقر المفاوضات، ليس بهدف الانخراط في جولة التفاوض معتبرا ما يدور في العاصمة الإثيوبية هو تفاوض بين دولتين وليس مع حركات أو مجموعات أخرى. الوصول المفاجئ لقيادات الحركة الشعبية إلى أديس أبابا، أثار الكثير من التساؤلات، وأرجعه محللون بالأساس إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2046 الذي اعتبره البعض مدخلا واسعا للحركة الشعبية إلى المفاوضات الجارية بأديس أبابا. فقد نص القرار الأممي بصراحة في إحدى فقراته على الآتي: "يقرر – مجلس الأمن - أن تقيم حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال تعاونا كاملا مع فريق الاتحاد الأفريقي ورئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية بغية التوصل إلى تسوية عن طريق المفاوضات على أساس الاتفاق الإطاري بشأن الشراكة السياسية المبرم في 28 يونيو 2011 بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال والترتيبات السياسية والأمنية المتعلقة بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان"، ونص القرار في فقرة أخرى ما يلي: "يحث – المجلس - بقوة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال على أن تقبلا الاقتراح الثلاثي المقدم من الاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة وجامعة الدول العربية بإتاحة إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المتضررين في كلتا المنطقتين، وأن تكفلا، وفقا للقانون الدولي المنطبق، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي المنطبق والمبادئ التوجيهية للمساعدة الإنسانية في حالات الطوارئ، وصول موظفي الأممالمتحدة وسائر العاملين في مجال المساعدة الإنسانية بصورة آمنة وفورية ودون عوائق، وكذلك تسليم الإمدادات والمعدّات، لتمكين أولئك العاملين من إنجاز مهامهم بكفاءة في مجال مساعدة السكان المدنيين المتضررين من النزاع". فيما يتعلق بالفقرة الأخيرة فإن الحكومة وافقت على المبادرة الثلاثية وفق شروط اختطتها ليسير على هديها الشركاء في إيصال تلك المساعدات. أما ما يلي الفقرة الأولى المتعلقة بالتسوية السياسية فإن الجدال لا يزال محتدما بشأنها على الصعيدين السياسي والدبلوماسي. فالحكومة أعلنت مرات رفضها الكامل للتفاوض مع الحركة الشعبية ما لم تلقِ السلاح وتوقف العدائيات وتعلن التزامها بتنفيذ الترتيبات الأمنية التي نصت عليها اتفاقية السلام الشامل الموقعة في نيروبي عام 2005م، وهو الأمر الذي ترفضه الحركة المتمردة حتى الآن. وقد أثار تضمين القرار الأممي للفقرتين آنفتي الذكر المتعلقتين بالحركة الشعبية – قطاع الشمال، الكثير من الشكوك والتساؤلات باعتبار أن القرار يتناول حالة نزاع بين دولتين، وقد ذهب بعض المحللين إلى اعتبار ذلك اعترافا من مجلس الأمن الدولي بالحركة الشعبية. لكن رئيس خلية الأزمة بوزارة الخارجية حينها، المتحدث باسم اللجنة السياسية والأمنية المشتركة في مفاوضات أديس أبابا حاليا السفير عمر دهب، رأى في مؤتمر صحفي عقب صدور القرار الأممي، أن الإشارة إلى قطاع الشمال في القرار 2046 لم يُقصد منها التعامل مع الحركة الشعبية، وإنما التعامل مع التأثير الناجم عن تصرفات تلك الحركة، في المنطقتين، وقال دهب "ما جاء في القرار ليس اعترافاً بقطاع الشمال وإنما تدابير الغرض منها السماح بانسياب المساعدات الإنسانية وتسهيل مرور الإغاثة". مؤكدا رفض الحكومة القاطع للتفاوض مع الحركة الشعبية - قطاع الشمال. وقطع نائب رئيس الجمهورية، الدكتور الحاج آدم، عشية صدور قرار مجلس الأمن، بأن الحكومة لن تتفاوض مع قطاع الشمال لأنها لا تسعى لإعادة إنتاج نيفاشا أخرى. ومع كل ما أشرنا إليه وتوقعات بعض المحللين بإعادة فتح التفاوض بين الحكومة والحركة الشعبية – قطاع الشمال، لا يبدو أن مؤشرا واحدا حقيقيا يلوح حتى الآن على الأفق ولا يمكن بحال القياس على الزيارات المفاجئة لقيادات الحركة الشعبية إلى مقر المفاوضات. لأن أي تقدم سيكون مرتبطا ارتباطا كليا بمجرى المفاوضات بين الخرطوم وجوبا، فقد تشمل أية حزمة حل شاملة للقضايا العالقة بين الخرطوم وجوبا عودة الحوار مع قطاع الشمال، وإلا فإن الأمر تكتنفه الكثير من المصاعب. فمنذ اندلاع التمرد في جنوب كردفان بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، في يونيو من العام الماضي، بعد هزيمة الحلو في الانتخابات التكميلية التي جرت بالولاية، والتي أعقبها تمرد النيل الأزرق بقيادة مالك عقار، مطلع سبتمبر من ذات العام، تباعدت الشقة بين الحكومة والحركة الشعبية – قطاع الشمال، وخاض الجانبان حروبا متعددة انتهت بهزائم متكررة لقوات الحركة الشعبية ودحرها من غالبية المواقع التي تمكنت من السيطرة عليها. وجرت مفاوضات بين الطرفين في أديس أبابا العام الماضي، ترأسها من جانب الحكومة، مساعد رئيس الجمهورية، الدكتور نافع علي نافع، ومن جانب الحركة الشعبية، والي ولاية النيل الأزرق، مالك عقار، برعاية لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى، وتوصل الجانبان لاتفاق إطاري، وذلك في يونيو من العام الماضي، غير أن ذلك الإطار لم يقره المكتب القيادي للحزب الحاكم، الأمر الذي أدى لتجاوزه، وفد أكدت الحكومة رفضها العودة للتفاوض إلا وفق الشروط آنفة الذكر. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 24/7/2012م