كمن يطارد الهواء ليملاء به الشباك، يحاول المحيط الاقليمي ان ينزع فتيل الازمة الطاحنة بين السودان تشاد. ومحنة هذا المحيط الاقليمي انه لايمل تكررا نفسه، وولم ينفك من تفسير الماء بالماء، وكانه لم يكتشف، ابدا، انه في كل المرات يبدأ من الصفر لينتهى الى صفر كبير، وانه يملأ من هنا ويفرغ من هناك. عندما صعب على البلدين حل الازمة على الصعيد الثنائي، افسحا المجال لمحاولة ليبية اريترية توصلت الى اتفاق بين الطرفين الى تفعيل الحركة بين العاصمتين ونشر قوات مشتركة من البلدين الى شريط الحدود لمنع التسللات والتفلتات التى تدلق الزيت في نار الازمة، ولكن قبل ان يغادر الوسطاء الطاولة داهمتهم انباء بوجود حشود على الحدود المشتركة ومناوشات هنا وهناك. فى مطلع العام 2006م دفع الرئيس الليبي معمر القذافي بمبادرة لحل الأزمة يطرحها في القمة العربية الخرطوم، وجدت القبول من السودان، وجرى على الاثر اجتماع قمة بين دبي والبشير انتهت بإعلان طرابلس في فبراير من نفس العام، غير انه قبل ان يجف مداد الاعلان اتهم السودان تشاد بمساندة الحركات المسلحة فى تنفيذ هجوم على غرب دارفور من داخل اراضيها تشاد، وفى ابريل من نفس العام اتهم دبي السودان بالعمل على زعزعة الاستقرار فى بلاده، ولكن القذافى حرص على تهدئته. واستنجد اثر توالى العواصف بين العاصمتين بفرنسا وطلبت تدخل الرئيس شيراك فى الامر لحسمه نهائيا، وعبر تحرك فرنسى ليبي تعانق البشير وديبي في قمة " بانجول" الافريقية وعادت العلاقات الى الهدوء المشوب بالحذر، لتتوتر الاوضاع بعد اتهام السودان لتشاد بدعم جبهة" الخلاص" في عدة معارك في دارفور. ثم جاء اتفاق الرياض او" الجنادرية" على هامش القمة العربية في العام 2007 م، وهو الاتفاق الذي نشأ بموجبه نزاع مكتوم بين السعودية وليبيا بشأن الملف، ليأتي اتفاق داكار على هامش القمة الاسلامية مطلع العام الحالي . كل المحاولات عبارة عن نسخة واحدة مكررة في منابر متعددة، وكل الكتب نص واحد في عدة طبعات. تتحدث كل الاتفاقات عن الالتزام بالاتفاقات الثنائية بين تشاد والسودان والالتزام بالاتفاقات الاقليمية السابقة، ووقف نشاط المعارضين للدولتين من داخل اراضيهما، والترتيب لنشر قوات من البلدين بمراقبة افريقية على الحدود المشتركة. ومحابس تغلق خرم الابرة. ولكن للاسف كل المحاولات تنهار بطريق واحد. ضربة واحدة! والسبب كما قلت مرارا، ان المحاولات، رغم حماس جدية من ينهضون بها في المنطقة، انها تتعامل مع مظاهر المشكلة وكأنها هي أسباب المشكلة. الحقيقة ان اسباب الازمة بين الخرطوم وانجمينا تتمثل في جملة مشكلات داخل تشاد بين الرئيس دبي ومعارضيه تنعكس سلبا على الحدود بين البلدين بحكم التداخل القبلي والتشابه الجغرافي، وتتمثل في تداعيات الازمة في دارفور. نعم لقد نشأت الحركات المسلحة في جبل مرة وما حولها ولكنها منذ الاشهر الاولى لاذت بالحدود مع تشاد بحثا عن حماية للظهر من الضربات الحكومية، مستفيدة من ذات التداخل القبلي والتشايه الجغرافي بين البلدين.افرازات الازمة الداخلية في تشاد والازمة في دارفور تتعدى الحدود على عمق الدولتين، وبالتالي تتحول الساحات السياسية الاعلامية، ووصلت الى مرحلة الساحة العسكرية، عندما تبادل المسؤولون في الخرطوم وانجمينا اعلان الحرب بينهما في اكثر من مرة. عندما تحل مشكلة دارفور وعندما يتصالح دبي مع معارضيه، تنتهي الازمة بين البلدين، بشكل تلقائي.خلاف ذلك فهو مطاردة الهواء وملؤه في الشباك!