إن الذي ينبغي لكلٍ منا أن يُعنى به في شهر رمضان هو : أولاً : وفي كلمة جامعة مختصرة : أن يجعل من نفسه محلاً قابلاً لتنزُّل الرحمات والمغفرة والعتق من النار : اجعل من قلبك وواقعك موقعاً صالحاً لفضل الله ؛ تصيبه الرحمة وتَحُل عليه المغفرة ، وهذا ؛ لأن هذا الشهر من جهةٍ شهر فضل عظيم من الله - جل وعلا - ومن الجهة الأخرى أن هذا الفضل ولا بد إنما يذهب لأهله . فأما أنه شهر فضلٍ ومِنَح من الله - جل وعلا - فلأن لله عتقاء في كل ليلة من ليالي رمضان وعند كل فطر ؛ فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « إن لله عند كل فطر عتقاء ».[1] وروى ابن ماجه بإسناد حسن عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال :دخل رمضان ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرِمها ، فقد حُرِم الخير كله ، ولا يُحرَم خيرها إلا محروم » [2] . وأما أن هذا الفضل إنما ينال أهلَه ، فلأن الله - تعالى - أعدل وأحكم من أن يكرم بهذا الفضل من ليس له أهلاً ويدع من هو أهل له . ومن ثَمَّ كان علينا أن نجتهد في جعل أنفسنا أهلاً لفضل الله - جل وعلا - في هذا الشهر ؛ علَّنا نكون بذلك من عتقاء الرحمن في هذا الشهر الكريم . وأول ما يطهِّر به كل منا نفسه - استعداداً لهذا الشهر الكريم - التغافر ، وإزالة الشحناء ، وصلة الأرحام ؛ فإن الخصام يؤخر الغفران ، ولهذا جاء في الحديث : « تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين ، فيغفر الله - عز وجل - في ذلك لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً ، إلا امرءاً كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقول : اتركوا هذين حتى يصطلحا « ، وفي رواية : » أركوا هذين حتى يصطلحا » . [3] وجاء في الحديث الآخر : « إن الله لَيطَّلعُ في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن » [4] . فظهر من هذا بجلاء أن من أسباب المغفرة من الله - جل وعلا - في مواسم المِنَح والنفحات أن يخلِّص العبد نفسه من الخصومات والمشاحنات ، كما يجب أن يتخلص - خاصة - من قطيعة الرحم ؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال : « لا يدخل الجنة قاطع » [5] أي قاطع رحم ، فظهر من هذا بجلاء أن قطع الأرحام من موانع نيل فضل الله ؛ فكيف يطمع قاطع الرحم أن يكون من عتقاء الله من النار في هذا الشهر ؟ ومن ثَمَّ وجب على كلٍّ منا أن يزيل كل سبب كان من جهته ؛ أدى إلى قطع رحِمه . فليكن رمضان شهر بِرٍّ وصِلَة وتسامُح ؛ فينبغي لك بين يدي هذا الشهر أن تزور أقاربك وأصهارك وأرحامك ، وتصِلَهم وتتودد إليهم ، وأعظم الصِّلات وأرفع القربات بِرُّ الوالدين والحنو عليهما وإكرامهما وإرضاؤهما . وليتنازل الإنسان ، وليعفو وليصفح : { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } ( النور : 22 ) ، { وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } ( البقرة : 237 ) ، { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } ( فصلت : 34 ) . وصحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً قال له : يا رسول الله ! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأُحسن إليهم ويسيؤون إليَّ ، فقال - صلى الله عليه وسلم - « إن كنت كما قلت ، فكأنما تُسفُّهم المل - أي كأنما تؤكلهم الرماد الحار - ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك » [6] .