مثل ما حدث مع (طيّب الذكر) إتفاق الحريات الأربع الذي لم يتنزل من الورق إلى أرض الواقع لإرتباطه بالاتفاق على الملف الأمني الشائك، فإن الإتفاق المفاجىء الذي تم في ملف النفط بأديس على (25,8) دولاراً للبرميل، سيظل معلقاً في الهواء، ولن يرى النور -على الأرجح - لارتباطه بالتقدم ، بل والاتفاق في ملفات أخرى أكثر صعوبة من ملف النفط نفسه. وطبقاً لثامبو أمبيكي رئيس الوساطة الأفريقية، فإن ما تم بشأن النفط هو إتفاق مبدئي سيتم تنفيذه بعد تسوية القضايا الأخرى المرتبطة بالملف الأمني و ترسيم الحدود ووضع مواطني الدولتين. أي ببساطة كده ، إذا فشل اتفاق الحريات الأربع لارتباطه بالملف الأمني ، فإن اتفاق النفط هذا ، هو أقرب إلى الفشل لإرتباطه إلى جانب الملف الأمني، وملف الحدود، بملف وضع مواطني الدولتين الذي تمت معالجته إطارياً في وقت سابق بإتفاق الحريات الأربع التي لم تنفذ أي منها بالطبع. ربط تنفيذ الاتفاق النفطي المعقول لكلا الطرفين فيما يبدو، بالإتفاق على الملفات الأخرى قد يكون القصد منه تحفيز الخرطوموجوبا للإسراع في تسوية القضايا الخلافية الأخرى. خاصة وأن كلا البلدين يعاني أوضاعاً اقتصادية غاية في الصعوبة ، ويمثل الاتفاق على عودة ضخ النفط في أنابيب النفط، ما يشبه عودة ضخ الدماء في شرايين الدولتين بعد أن أصابها التكلس، أو كاد. وقد أثبتت التجربة، تجربة اتفاق الحريات الأربع الإطاري، أن الاتفاقات المرهون إنفاذها بإنجاز اتفاقات أخرى ، لن تجد طريقها للتنفيذ. وهذه من أخطاء تكتيكات التفاوض التي ينتهجها الوفدان المفاوضان في السودان وجنوب السودان. فالوفدان المفاوضان يتفاوضان ب (القطاعي) في كل ملف على حدة ، وعندما يحدث اتفاق في الملف موضع التفاوض يظل ذلك الاتفاق معلقاً في الهواء لارتباطه باتفاقات أخرى تهيئ له الأرضية اللازمة للتنفيذ. بينما كان الأوفق أن يتم طرح القضايا الخلافية بصورة مجملة، ثم يتم التوصل فيها لصفقة وتسوية سياسية شاملة، بحيث يقابل التنازل في أي من الملفات ، تحقيق مكاسب في ملف آخر. مثلاً، تنازل الخرطوم في ملف وضع مواطني البلدين يرتبط بتحقيقها لمكسب في ملف الحدود، وتنازلها في ملف أبيى مثلاً، يقابله مكسب في ملف النفط. وهذا أفضل بالضرورة من تحقيق تنازلات موجعة في جميع الملفات الخلافية مع الجنوب. بالطبع، لا يمكن لمراقب أن يشكك في قيمة الاتفاق على إعادة ضخ النفط في ظل الحاجة المتزايدة لذلك في الخرطوموجوبا، ولكن إرتباط تنفيذ هذا الاتفاق بتوقيع اتفاقات أخرى من غير المنظور التكهن بسقوفها الزمنية في ظل عدم توافر الثقة والإرادة السياسية للوصول لتسوية شاملة من قِبل ، يجعلنا نعتقد بأن هذا الاتفاق النفطي ما هو في الواقع إلا محاولة من ثامبو أمبيكي لأن يضع في جرابه شيئاً من اتفاق وهو في طريقه إلى نيويورك حيث سيقدم تقريره إلى مجلس الأمن الدولي بعد إنتهاء المهلة الممنوحة بموجب القرار 2046، أو ربما كان محاولة جنوبية في وضع دعوة هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الأمريكية بالتوصل لاتفاق مرحلي ، في حيز التنفيذ. تماماً كما عملت جوبا بنصيحة أمريكية سابقة قبل اتفاق الحريات الأربع، ولكن ذلك لم يغير من الواقع شيئاً في النهاية.