صفقة، وصف أطلقه الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي على الاتفاق النفطي الأخير بين الخرطوم وجوبا، وصف يمكن إطلاقه على أي اتفاق بين طرفين على حد قول الصحفي المخضرم محجوب محمد صالح، فكل اتفاق بين طرفين أو أكثر هو صفقة يحصل فيها كل طرف على شيء ما، مقابل تنازله عن شيء آخر. الصفقات، مفردة ارتبطت بعصابات تجارة السلاح وتهريب البشر والمخدرات، لكنها ارتبطت أكثر بعالم البيزنس ودنيا المال والأعمال، فيسمع المرء عن صفقة شراء شركة لشركة أخرى، أو صفقة بيع هذه الشحنة أو تلك، ما جعل تلك الكلمة تختزن مدلولات ومعاني قريبة من عوالم الجريمة وحسابات الربح والخسارة والبيع والشراء التي يجريها المديرون ورجال الأعمال. أياً ما كانت دلالتها، وأياً ما كان نسبها، إلى عالم الجريمة أم البيزنس ودنيا الأعمال، حجزت الصفقات لنفسها مقعداً دائماً على مسرح السياسة السودانية، منذ تلك الصفقات السياسية التي كان يجريها السيدان في الخمسينيات والستينيات فتنشأ منها حكومة ائتلافية ، مروراً بصفقات النميري مع اليمين واليسار، نهاية بصفقات الإنقاذ مع المتمردين ودول الجوار. الصفقات السياسية عادة تكون بين طرفين تجمع بينهما أشد حالات الخصومة والعداء، مثل صفقة نيفاشا التي أنهت مواجهة دموية بين نظام الإسلاميين في الخرطوم، ومتمردي الحركة الشعبية العلمانيين، وبعدما كان جون قرنق شيطاناً في الخرطوم قبل صفقة نيفاشا يمنع منعاً باتاً إظهار تأييده أو حبه أو حتى التعاطف معه، بات ذات الرجل بعد الصفقة أحد أبطال السلام ويتم مدحه على لسان كبار المسئولين بعدما كان ذكره بالخير في حكم الممنوع .. المصالحة الوطنية بين نميري والصادق المهدي في بورتسودان عام 1977 نموذج آخر لصفقة سياسية في الممنوع .. فوضع اليد في يد نميري أعتبر بمثابة الخيانة في دوائر الجبهة الوطنية المعارضة، بينما وصل الأمر بدوائر نظام نميري قبل تلك الصفقة إلى بحث مقترح بتصفية الصادق والشريف الهندي وغيرهما من زعماء المعارضة عقب غزو الخرطوم عام 1976، قبل أن تجب صفقة المصالحة الوطنية ما قبلها من عداء سافرو لعنات متبادلة. وبينما حققت بعض الصفقات مثل نيفاشا نجاحاً لا يستهان به، بقيت صفقات سياسية أخرى حبيسة داخل كتب التاريخ السياسي وأدراج مديري مكاتب الأطراف الموقعة عليها مثل اتفاق الميرغني قرنق الذي لم ير النور وتكالبت عليه عوادي موقف حزب الأمة .. ومن بعده انقلاب الإسلاميين .. الصفقات كادت تصبح سنة سياسية متبعة بين السلطة وخصومها في عهد الإنقاذ، ويشبه البعض الإنقاذ برجل أعمال برع في إبرام الصفقات السياسية وتقاسم السلطة والثروة ومناطق السيطرة الجغرافية مع الخصوم، حيث أبرمت الإنقاذ عدداً قياسياً من الصفقات السياسية بداية من اتفاقية الخرطوم للسلام، مروراً بنداء الوطن واتفاقية القاهرة، نهاية بأبوجا واتفاقية الشرق والتراضي الوطني والشراكة السياسية الحالية مع الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل .. نهاية معظم الخصومات السياسية السودانية بصفقات من العيار الثقيل .. جعلت البعض يرون في اشتداد الخصومة وتبادل اللعنات والهجاء السياسي بين طرفين أو أكثر مجرد تمهيد لإبرام صفقة .. ولا أدل على ذلك من مواقف الخرطوم خلال الحقبة الهجليجية .. مواقف من قبيل عدم تصدير نفط الجنوبيين ولو أعطونا نصفه .. وعدم التفاوض مع شيء اسمه قطاع الشمال .. فيما تشير تطورات المشهد السياسي الراهنة إبرام صفقة نفطية بالفعل .. وإلى صفقة متوقعة مع قطاع الشمال في الحركة الشعبية .. صفقات كانت حتى وقت قريب في حكم المحرم والممنوع ..!