يبدو أن الرئيس سلفا كير ميارديت أراد أن يعتذر عن نفي دعمه للمتمردين في جنوب كردفان والنيل الأزرق بصورة هامسة عبر الهاتف، ولكن صوته الجهوري تجاوز أذني أوباما، ليصل إلى مسامع صحيفة (مكلاتشاي) الأمريكية واسعة الإنتشار، وهو ما سبّب حرجاً بالغاً لسلفا فيما يبدو. إعتذار سلفا كير لأوباما بسبب إنكاره في مرتين سابقتين دعم متمردي قطاع الشمال في جنوب كردفان والنيل الأزرق، كان أولى أن يسبقه إعتذار للرئيس البشير، فالإعتذار له أولى من الإعتذار لأوباما، لأن البشير هو الأكثر تأذياً من إشعال الحرائق المدعومة من جوبا. فسلفا كير ظل ينكر بشدة أية علاقة لحكومته في الجنوب مع حاملي السلاح في جنوب كردفان والنيل الأزرق الذين لا يزالون تحت إمرته جنوداً في جيش هو قائده الأعلى، الجيش الشعبي لتحرير السودان. وبالتالي فإن الاعتراف المتأخر بالدعم لأوباما يجب أن يتبعه رفع يديه عن دعم حاملي السلاح هناك من باب الكفارة على الأقل. ما يستدعى التوقف في اعتراف سلفا كير بدعم المتمردين ضد الخرطوم، وإعتذاره النادر لأوباما.. بسبب الكذب عليه مرتين وإخفاء هذه الحقيقة التي يعلمها الجميع فيما يبدو، هو الاعتذار عن الكذب وليس عن الدعم للمتمردين، ما يعني استمرار الدعم مع الاعتراف به هذه المرة. اعتراف سلفا كير بدعم المتمردين رغم نفي برنابا بنجامين وزير الإعلام في الجنوب له، أشبه ما يكون بتحصيل حاصل. فقد وضع سلفا عبارته لأبناء المنطقتين في يوم الانفصال (لن ننساكم) في حيز التنفيذ، فعمل على عدم فك الارتباط بين الجيش الشعبي في دولة الجنوب والفرقتين التاسعة والعاشرة بالجيش الشعبي في جنوب كردفان والنيل الأزرق. رواتب وأسلحة وذخائر جنود الفرقتين تجئ إلى ساحات القتال وهى معبأة في طرود جنوبية، إلى جانب كل ما يلزم من دعم لوجستي، فضلاً عن العمق العملياتي لتحركات المتمردين الذين يتحركون بحرية كاملة في الجنوب بصورة عصية على الإنكار، ولكن الحركة الشعبية وقيادات دولة الجنوب ظلت تنكر هذه الحقائق الناصعة حتى داخل غرف التفاوض المغلقة، الأمر الذي يعكس حالة من عدم الجدية في التوصل لاتفاق أو على الأقل حالة من عدم الثقة، وفقدان للإرادة السياسية في التوصل لاتفاق ينهي الخلافات مع الخرطوم. فجوبا، ظلت تحتفظ بورقة المسلحين في جنوب كردفان والنيل الأزرق في جيبها الخلفي للضغط على الحكومة بهدف إجبارها على تقديم التنازلات التي تريدها في الملفات المعلقة بين دولتي السودان وجنوب السودان. ولا يزال سلفا كير هو القائد الأعلى للجيش الشعبي الذي يقاتل الحكومة في المنطقتين. أو كما قال اللواء دانيال كودي هو لا يزال قائد الحلو ويمكنه أن يصدر له التعليمات بوقف الحرب إذا أراد ذلك. من الآخر، اعتراف سلفا كير بدعم المتمردين لأوباما، واعتذاره عن نفي سابق لهذا الأمر، نتمنى أن يتبعه اعتراف واعتذار مماثلان للرئيس البشير، ويكون ذلك في لقاء القمة المقبلة بينهما في سبتمبر تمهيداً لفتح صفحة جديدة من المكاشفة التي يتبعها رفع يديه عن التمرد، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الجيِّدة بين البلدين.