وتبقى للحقيقة مدارات ومتسع أعمق من الخيال حينما يوحي لك الواقع بأنه لا يمكن أن يستوعبك ، وقد كان واقع هذا الشيخ الجليل الذي لم أقابله في حياتي لا يستوعبني ويفقدني اتزاني ويقلدني الحيرة ، فحينما أسمع الأحاديث عنه أدرك أنه معجزة يعجز عنها إعجاز الكلام ، ويسقط الوصف دونه شاكيا قلة الحيلة . فهذه سيدة في الخمسين من عمرها ظلت تعاني مع أولادها الأربعة المصابين بمرض وراثي يقعدهم في الثانية عشرة وحتى يتوفاهم الله متى شاء، يبعثه الله إليها مترجلا عن ركبه وقد شمر عن ساعديه يزيدها إيمانا ويقينا ويهون مصابها ، لم يرسل لها كيس دنانير ويمضي بل وقف معانيا معها ... وذلك الطاعن في السن الذي أودعه مرض عضال الفراش لسنوات ، يترجل له الشيخ عن ركبه مرة أخرى متوشحا عباءة الرحمة ويسير به في طريق العلاج دون يأس أو كلل حتى ينتهي الطريق ويعود منتصرا على مرضه ، وطفل يولد بعيب خلقي يضمه على صدره ويهمس في أذنه بمشيئة الرحمن لك نصيبا من الحياة. و يأتيك خبره وقد ذكرت الآخرة أمامه ففاضت عينيه من خشية الله فتصاب بدهشة تتوه بداخلك دون الوصول لمخرج آمن . ويسير شيخنا الجليل عابرا الطرقات بنخوة من خلال الرعود والعواصف يرتعش مع طقطقة الجمر بنار الصبر أوله كثيرا جدا وآخره لا ينتهي، يصلي فروضه الخمسة بيننا ... يشاركنا طعامنا ... ويتفقد أحوالنا لا ينام على الوثير ولا يرتدي الحرير ... قادما إلينا من زمن الصحابة ليتولى أمرنا يعلم أن الدنيا رحلة فانية وأن زادها صالح الأعمال، فهل أخبرتنا أيامنا هذه أن هناك نائبا لرئيس دولة يمشي بين عامة الناس يشاركهم أفراحهم وأتراحهم و يعطي كل ذي حق حقه ولا تغلق الأبواب دونهم . هذا شيخنا علي عثمان محمد طه زمن حاضر وسط ذهول الدقائق والعابرين ...الطهر امتلأ به ففاض بالصدق فينا. وهؤلاء نحن نظل نلهث خلف الدنيا ونشتكي للناس وليس لله همنا ونجري دون توكل على الله وهو بين ظهرانينا يناضل لنا قد حمل على عاتقه لواءنا ومضى نتعقب خطواته وسط الزحام ... فيا شيخي إن إيماني بك مدعاة لتكذيب البشر، والكذب فيك أقل من أن ينصفك والمبالغة حقيقة من عدم .