منطقة سوبا الأراضي كانت الأربعاء الماضي مسرحاً لأبشع جريمة قتل نفّذتها فتاتان في والدهما، الجريمة غريبة وتتنافى مع الفطرة البشرية السوية، قبل أسابيع أقشعرت أبدان السودانيين وهم يقرأون كيف أن أحدهم قتل والده بساطور، قبل عامين تقريباً كان أحدهم يسدد ما يربو عن الثلاثين طعنة إلى جسد أب أنجبه ولم يحسن تربيته.في واقعنا اليوم جرائم غريبة ما أنزل الله بها من سلطان، قبل أشهر كانت إحداهن تقتل والدتها، والعياذ بالله، غرابة الجريمة وتعقيداتها فرضت على الشرطة تحديات كبيرة وهي تسعى لفك طلاسم جرائم غامضة يكون مرتكبوها أقرب الناس.على الرغم من ذلك، فإنّ أجهزتنا الشرطية نجحت تماماً في التعامل مع شفرات هذه الجرائم والوصول بها إلى نهايات سريعة.جرائم القتل في البيوت السودانية أصبحت كثيرة ومتنوعة، والقاسم المشترك في كل هذه الجرائم طريقة التشفي التي تكمل مشهد المأساة ما بين القتل بالساطور وحتى (العتلة)، والملاحظ أن السكين أصبحت بريئة في كثير من الأحيان من ارتكاب هذه الجرائم.في قضية الفتاتين كان الفعل قاسياً والجانيتان تعتديان على والدهما باستخدام آلة حادة و(عتلة) في وقتٍ متزامنٍ، وفي بحري اهتدى الابن إلى ساطور لنحر أبيه.استشراء مثل هذه الجرائم الدخيلة على مجتمعنا السوداني والمتنافية مع فطرته السليمة وسماحته يُشير إلى خلل مجتمعي كبير نتكاسل عن سبر أغواره والسعي لمعرفته عبر البحوث والدراسات اللازمة وصولاً الى خلاصات تضئ الجوانب المعتمة في مجتمعنا السوداني.لا أتفق مع مَن يقول بضرورة ممارسة (الغتغتة) في التعاطي مع أسباب مثل هذه الجرائم الغريبة، لأن في وقوعها عبراً وعظات ودروساً وتجارب تقتضي أن نتعامل معها بعقل مفتوح وندرسها ونصل فيها إلى خلاصات تعين المجتمع على التماسك، وتُوصِّد الباب أمام تكرارها مستقبلاً.أقدر تماماً السرية التي يمكن أن تتعامل بها الشرطة مع البلاغات ذات الطابع الأسري، والأسرة في السودان لها قداسة واحترام، ولكني أتمنى من أجهزتنا الشرطية ألا تكتفي بسرد الوقائع، وقفل التحريات بانتهاء فصول القضية، نحن نطمع في أن تتولى الشرطة الجرائم التي تحدث في مواجهة الآباء والأمهات من قبل الأبناء بالدراسات المستفيضة المستندة على نظريات التربية وعلم النفس وباستصحاب الظروف الاجتماعية المحيطة، فمثل هذه الجرائم تصلح أن نطلق عليها صفة أنها (غريبة وشاذة جداً) على مجتمع يضع الأب والأم في مصاف التبجيل والاحترام وربما القداسة، ترى ما الذي جعل الآباء ضحايا لجنون الأبناء و(سواطيرهم)، إنه بالفعل وضع شاذ يُشير إلى خلل كبير في مجتمعنا ويستدعي أن نتعامل معه بالحساسية اللازمة.دور كبير يقع على الشرطة في هذا المجال، وبما تملك أجهزتها من علماء أجلاء فإننا نتمنى أن نرى جهداً أكاديمياً يشخص ما يحدث الآن بما يلزم من أدوات البحث والتدقيق والتمحيص، ونتمنى أن يتم ذلك بالتضامن مع الجامعات ومعاهد الدراسات ومؤسسات الدولة المعنية ومنظمات المجتمع المدني فالأمرُ جَد خَطيرٌ.