على خلفية تحطم طائرة تلودي يوم الأحد المنصرم ، فجعنا الباشمهندس المحترم محمد عبد العزيز مدير هيئة الطيران المدني، بتقديم استقالته أمس للرئيس عمر البشير. الباشمهندس برر للاستقالة بقوله إن البلاد فقدت زمرة من خيرة وأنبل وأشجع قيادات وأبناء السودان ، كانوا في مهمة وطنية مقدسة ، قبل أن يصف الحادثة بأنها (فجيعة وطنية) ، وقد صدق فى ما ذهب إليه. تقديم الاستقالة فى مثل هذه الظروف ، تصرف به قدر من النزاهة تشبه محمد عبد العزيز تماماً، وفى تقديمها كذلك إرساء لأدب ظللنا نبحث عنه كثيراً فى أداء المسؤولين ، كما أن الخطوة حملت قدراً من الشجاعة التى نفتقدها فى كثيرين. الاستقالة تحمل عبارة سيوثقها تاريخ محمد عبد العزيز المحتشد بالصدق والإقدام تقول (إن الحادث يقتضي تنحي المسؤول الأول عن سلطة الطيران المدني ، أياً كانت مسبباته ، وأكد تحمله شخصياً نتائج التحقيق وتبعاته) . حسناً، نسأل الله أن يجعل كل ما تقدم فى ميزان حسنات محمد عبد العزيز المهنية الكثيرة ، فلقد عبر بتصرفه عن صدقٍ وتحلٍ بالأخلاق والمسؤولية ، ولكنْ، هل من حق محمد عبد العزيز أن يضاعف حزن السودانيين على نزيف الكوادر الوطنية،.وهو ينسحب عن المشهد بهذه الطريقة ، ويختار أن يبتعد دون أن تكون لديه مسؤولية مباشرة فيما حدث ؟! وهل يعلم الباشمهندس أنه بالاستقالة التى تقدم بها، يحرم الوطن من كفاءة تحتاجها البلاد بشدة فى هذا التوقيت الحرج؟! وبحسابات المسطرة والقلم هل يصح أن يتحمّل عبد العزيز وزر ما حدث؟! قبل مدة قصيرة اعلنت المنظمة الدولية للطيران المدني (الايكاو) السودان منطقة خالية من الشواغل فى مجال السلامة الدولية، إذ تراجعت نسبة المخالفات من (55%) إلى (15%)، هذا التطور وضع السودان على الصفوف الأمامية فى مجال السلامة الجوية ، المنظمة لم تكتف بهذا الأمر بل اعتبرت السودان نموذجاً فريداً فى أفريقيا. هذا التقدم الإيجابي كان نتاجاً لجهد محمد عبد العزيز الذى جعل للطيران المدني قيمة فنية واستثمارية ، بعد أن كان عبارة عن لافتة ملقاة على قارعة الطريق . فالرجل وعبر برنامجه (3?3) استطاع أن يحرز تقدماً على ثلاثة محاور (السلامة الجوية - تحرير الأجواء - والتشغيل الاقتصادي للمطارات). ما حدث فى تلودي يا باشمهندس ، لم يكن بسبب الأرضية ، ولم يقع لأسباب تتعلق ببيئة المطار ، ما وقع، كان تحالفاً بين القدر والظروف المناخية القاسية ، والتفكير البشري الذى لم يسعف قائد الطائرة لاتخاذ قرار يتناسب مع الظروف المحيطة ، ولا أعتقد أن محمد عبد العزيز يمكن أن يكون جزءاً من الأسباب المتقدمة. سيدي الرئيس ، نتمنى أن ترفض استقالة محمد عبد العزيز ، لأن الطيران المدني يحتاجه بشدة فى محاور مضى فيها حثيثاً لتحقيق التطور المأمول ، فهو أحد جنودك المخلصين ، وقد ظل مثل الغيث (أين ما وقع نفع). نتمنى أن تعيده إلى مسؤولياته بالقدر الذى يحافظ على ما تحقق من منجزات فى مجال السلامة الجوية ، وتأهيل بنية المطارات ، وتشغيلها اقتصادياً وتحرير الأجواء ، ونأمل من الباشمهندس أن يتراجع عن قراره الذى سيحرم السودان من مكاسب كثيرة تحققت خلال المرحلة الماضية، إذ مازال هو الأنسب لإدارة هيئة الطيران المدني.