صوت الفنان الطيّب عبد الله وأداؤه الطَرَبى حالةٌ من النشوة والنشوى... الأيّام التى شقّ فيها هذا الصوت طريقه تكتنز بأعمال السبعة العِظام فى الغناء السودانى والسبعة الذين يجاورونهم على اليمين والسبعة الذين يجاورنهم على الشمال! نُموّى المدرسى ترسم له أغنيات الطيّب عبد الله رسماً بيانيّاً... ففى مرحلة أولى كانت (كيف هان عليك) و(أيّامى الخوالى) ألحاناً لمحفوظاتنا المدرسيّة... بعدها دخلت استاد الخرطوم لأملأ عينى الصغيرة بمشاهدة مباراة بين هلال جكسا ومريخ ماجد، فأسمعتنا ميكرفونات الاستاد نداءين للطيّب عبد الله: (يا أرض الحبيب) و(يا فتاتى ما للهوى بلد)... وفى ثانويّتى التقطت أُذناى (عُدْ لينا يا ليل الفرح) و(مسكينة المحبّة)... وعلى مشارف الجامعة وقفت مَرّةَ لأسمعَ (لقيتو واقف منتظر) فعرفت أهميّة التدقيق بين أشباهٍ أربعين! فى جلسة ليمون عَصريّة بحنتوب الثانويّة ببوفيه خلف داخليّة (المك نمر) كنّا مجموعة من الزملاء فى نقاش مع أمين المكتبة فاروق حول غناء الطيّب عبد الله، قلت لهم أنّ صوته ينبع من زُكام شجى، وقدّمت لهم مثالاً عمليّاً بأغنيّة (السنين)، أديّتها بطريقة رأوها غير بعيدة عن طريقته، فقلت لهم لو كنت أُعانى من زُكامٍ الآن لأدّيتها أفضل! بعدها انقطعت آذاننا عن الطيب عبد الله بدخوله تجربة اغتراب مُغلَقة لم يفتحها إلا الاستاذ عمر الجُزلى عندما استدرجه بمدينة جدّة إلى مصيدة (أسماء فى حياتنا)، حتى خشىَ عليه معجبوه القدامى من اقتراب مَلك الموت منه! قبل أيّام تصادفت مع سهرته على قناة النيل الأزرق بعد عودته... استمعت للحوار والمحاورين فكانت لحظة من الحميميّة، لكنّى لاحظت أنّ النماذج التى قَدّمها من أغنياته بهيئته الجديدة وباوركسترا هذه الأيّام لم تكن بصوت اللحظة، كانت بصوت اللحظة السابقة بذات التسجيل الإذاعى القديم، كانت الأُغنيات بتقنية ( play back)، وهى ملاحظة لا أسمح فيها بمغالطتى لغير المُنتج والمُخرج! لا أملك دليلاً بأنّ صوت الآلات التى سمعتها فى تلك السهرة غير مطابق لصوت الآلات التى كنت أراها... لا أملك غير دليل الزُكام، فقد شممت رائحة تلك الأيام الجميلة وزُكامها الصحّى!!