العام المنصرم وفي آخر أربعاء من شهر سبتمبر رافقت الرئيس عمر البشير وعدداً من كبار المسؤولين الى منطقة البطانة أو (أم هبج) كما يحلو لمستملحي حسنها وبداوتها وطقوسها الطاعمة قاصدين بالطبع مُخيّمها السنوي. ارتويت في تلك الزيارة من دفق (الدم الحار)، ورأيت كيف أن تلك المنطقة مسكونة ب (جينات) الكرم والشهامة والفراسة، وعامرة بدفق المزايا المكملة للوحة السوداني (الأصيل) المجبول على نبل السجايا ومكارم الأخلاق. واليوم وبعد عام أسعد جداً أن أكون مرافقاً لذات الرهط قاصداً منطقة (وشيها من الملاحة يدفق)، فالبطانة تجدد في النفس نبل المكارم، وتشيع في الروح إشراقاً وارتواءً وتغسلها من وعثاء الحياة بتخليد إرث أهل السودان في المروءة والكرم والشجاعة والحماسة والإباء، وهي التي قال شاعرها: رزمت فوقك العينة السماها محين هواك قلا الحوا وغايس الجبال اتبين يا المطرية عندك للسواري ودين ماكي صغيرة فيك ثروة وحوش وجدين كثير من حديث الرئيس في البطانة العام المنصرم تحول من محاذير وسيناريوهات إلى واقع تعاملت معه السياسة فيما بعد، كنا نحس بإشفاق الشارع ونتابع تصريحات الرئيس في تلك المرحلة المفصلية باهتمام - فوق المعدل - فجرح الانفصال كان (نيي)، ونيران تمرد عقار ما زالت مشتعلة. الرئيس الذي كان يتحدث حينها للقيادات النوعية بالمنطقة بعد شهرين من الانفصال توقّع حدوث آثار سالبة للانفصال، عكس كثير من المسؤولين الذين حاولوا إنكار هذه الحقيقة ودفعوا بتصريحات حملت قدراً من التضليل، البشير قال: سنعمل على (سَد الفَرَقَة)، وتَعهّد بأن يأخذ السودان حقه من البترول أو أن (يغلق أنبوب النفط) وهو ما حدث بالفعل. الرئيس تطرق ل (أمراض الدولار) ورشّحه كذلك للارتفاع نتيجة لما وصفه ب (هلع التجار والمضاربات)، إستراتيجية الحوار مع قطاع الشمال نالت حيِّزاً مُقدّراً في حديث الرئيس، وقد مَضَت في خلاصتها إلى السيناريوهات الماثلة الآن بعيداً عن أيدي الحلول. حكايات ثراء المنقبين عن الذهب في البطانة جعلت الرئيس يقترح على الأستاذ محمد لطيف رئيس تحرير «الأخبار» آنذاك أن يبيع صحيفته «الأخبار» ويشتري بقيمتها آليات للبحث عن الذهب، وقد تحقق الشق الأول من نبوءة الرئيس لمحمد لطيف فقد باع الرجل صحيفته، وإذا ما استمرت توقعات الرئيس بذات الفاعلية والتحقق فإنّنا نتوقّع أن يتوجّه محمد لطيف للتنقيب عن الذهب. من المهم ألاّ تكون تصريحات السياسيين مثل (مناديل الورق) صالحة للاستخدام مرةً واحدةً، وعليهم إدراك ان الزمن سيعيد وضعها في اختبار المصداقية مرةً بعد الأخرى ليحيلها بعد ذلك إلى (الحفظ) أو المزبلة. اليوم سنزور البطانة وهي تتهيأ لتدشين مخيمها السنوي، نزورها وفي الخاطر عشقنا السرمدي لأم هبج بإرثها الباذخ وفراستها الفارعة وإسهامها المشهود في إثراء وجدان وخزائن السودان، نشد رحالنا إليها وفي الخاطر قول شاعرها: خرفت وطلايعك للمراتع لفن ضعاينك شيلن من المدامر وقفن وديانك مشن ليهن سبوع ما جفن وقبليك تور الركمي السحابو مدفن....