سلفا كير في الخرطوم بعد العيد.. هكذا حملت الأخبار وتناقلت المواقع الإلكترونية نبأ زيارة محتملة للرئيس سلفا كير للخرطوم، في توقيت توقع كثيرون أنه يجئ كرد عاجل وسريع على شائعات ودعاوى الانقلاب على سلفا كير بجوبا بعد مضي اقل من اسبوع على انطلاقها، أي الشائعة، وكأنما جاءت الأنباء لتؤكد خطل الشائعة. الجنوب لم يؤكد عبر مؤسساته الرسمية النبأ، لكنه سعى عبر مؤسسته التشريعية أو برلمانه، لتأكيد الزيارة وربما التغزل فيها على لسان رئيس أكبر كتلة في البرلمان، أتيم قرنق الذي وصفها ب (التاريخية) وأنها تأتي لدعم اتفاق التعاون المشترك بين البلدين، واعتبرها قرنق فاتحة خير على الدولتين لتبادل المنافع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. التحليلات تذهب إلى أن إعلان الجنوب زيارة سلفا كير للخرطوم، جاء بعد خفوت ما رشح عن زيارة مرتقبة للرئيس البشير لجوبا وليس العكس، وأن قدوم سلفا للخرطوم يرفع الحرج عن الطرفين، أولاً بحسابات الاستحقاقات الدولية والإقليمية على الجنوب كالمطالبة برفض الزيارة أو منعه من تقديم دعوة للزيارة أو مطالبته بالقبض على الرئيس البشير بضغوط أممية تتسق مع خط الجنائية الدولية، أو وجود تيار رافض للتقارب والتعاون الماثل بين الطرفين يمكن له أن يحشد جماهيره لدى استقبال البشير وتوجيه إساءات للخرطوم، خصوصاً عقب تزايد وتيرة الانفعالات الجنوبية لدى فصل سلفا كير جملة الملفات المُوقّع عليها تعاوناً مع الخرطوم عن الملفات العالقة كأبيي والحدود و(ميل 14)، ما أغضب الكثير من قيادات الصف الأول وتيارات أخرى كتيار أبناء أبيي وأبناء قرنق بحسب توصيف التقارير الإعلامية. زيارة الرئيس سلفا كير للخرطوم، ربما ترفع الحرج أيضاً عن القيادة السياسية في الخرطوم، باعتبار أن آخر إعلان عن زيارة بين البلدين جاء من الخرطوم، بعد قبول الدعوة التي جاء يحملها باقان أموم قبل أن تعيد أحداث هجليج عجلة الأحداث إلى الوراء. مراقبون يرون أن الخطوة تجئ كرد فعل طبيعي بعد استشعار القيادة الجنوبية، لتزايد وتيرة المخاطر المُحدقة بجملة الملفات العالقة بين الطرفين، بعد تراجع الحذر وحالة الاسترخاء في العاصمتين وأجهزتهما الرسمية على خلفية توقيع اتفاق التعاون المشترك، وان المتبقي بمثابة قنبلة موقوتة من شأنه أن ينقضي على كل ما تم إنجازه طيلة الفترة الماضية، خصوصاً ملف الحدود النهائية وأبيي. لكن كثيرين يشيرون الى أن حديث أتيم قرنق حمل زوايا ايجابية بعثت على تفاؤل الكثيرين بأن الزيارة ستحمل في طياتها تجاوزاً للتحديات التي تواجه علاقة البلدين، وقال: (الجنوب حسم أمره تماماً لاستئناف ضخ النفط عبر أنابيب السودان باعتباره دولة صديقة وفقاً لحتمية التاريخ) ما يعني أن ما تمّ الاتفاق عليه لن يتعرض لأي اهتزاز من شأنه نسف الاتفاق الموقع. خطوة سلفا - حال تحققت - طبقاً لتحليلات الكثيرين فانها لا تخرج عن كونها محاولة لمواصلة ما انقطع في أديس لحل كل ما تبقى من ملفات باعتبار أن لقاءات الرئيسين البشير وسلفا أصبحت تحمل في طياتها نوعاً من الاطمئنان للشعبين، في خضم القضايا المأزومة بين البلدين، وتعد الزيارة خطوة كبيرة أخرى في التقارب على المسافة الكبيرة التي قطعتها العاصمتان في الابتعاد عن شبح الحرب المخيم، بالاتفاق على تجاوز حالة التصعيد الراهنة بتقديم رؤى ومقترحات للتهدئة حول ما تبقى بإشراف الرؤساء مُباشرةً. كثيرون قَلّلوا من الخطوة وما سبقها من توقيع، بحكم عادة الطرفين في توقيع الاتفاقيات ثم النكوص عنها في تشاؤم وجد حظه في شوارع الخرطوم.. لكن واقع الحال هذه المرة يقول لا الخرطوم ولا جوبا تستطيعان القفز على حقيقة وضعهما الداخلي غير الجيد الذي يفرض تكامل تعاونهما بحل ما تبقى والمحافظة على ما تحقق. بينما يرى آخرون أن الاتفاقيات الموقعة تعبر عن رغبة أصيلة في الوصول لحلول، مُرجعين أي نكوص عنها بسبب وجود تيارات مُتطرفين في الجانبين تركت لهم مساحة التعبير بحرية عن مواقفهم، لكنهم هذه المرة بالتحديد لن يكون لهم حظ في التأثير على الاتفاقيات الموقعة. زيارات الرئيسين المتبادلة، أو بالأحرى لقاءاتهما برغم ما تحمله من دلالات إيجابية، إلا أن ثمة حلقة مفقودة في الاتفاقيات الموقعة أو تلك التي تنتظر التوقيع، ويذهب محلّلون إلى أن الحلقة المفقودة في عدم استمرار الاتفاقيات تكمن في الانطباع العام عن الحكومة بعدم الالتزام بالاتفاقات التي توقعها، ما ينسحب بالتالي على الطرف الثاني في استسهال التراجع أيضاً. ويلاحظ مراقبون من خلال مجريات الأحداث طيلة سنوات الإنقاذ أن العديد من الاتفاقيات بين السلطة وأيّة قوى سياسية أخرى سواء شمالية أو جنوبية تتعثّر عن التنفيذ لبنود الاتفاق المحدد، وهو ما قاد لاهتزاز الثقة بين الأطراف. حيث تسيطر على مخيلة النخب الجنوبية في تعاملهم مع الشمال مقولة أبيل ألير (الشماليون والتمادي في نقض العهود والمواثيق) التي وردت في كتابه مشيراً لنقض اتفاق اديس ابابا 1972م مما أدى لانعدام الثقة في الاتفاقيات السياسية السودانية، وكرس لما يشبه الإحتقان. وفيما يتخوف البعض من فقدان عامل الثقة بين القيادة في البلدين نظراً لوعود بطي العديد من الملفات عقب زيارة سابقة لسلفا كير كانت الأولى من نوعها بوصفه رئيساً لدولة، يقول آخرون إن عامل الثقة تراجعت أهميته في ظل شهادة المجتمع الدولي على أي اتفاق يبرم بين جوباوالخرطوم، ولا شأن له بالثقة لكون السياسة لا ضمانات فيها ولا عواطف. وقد أكّدَ ذلك البروفيسور عبد الرحيم علي، وقال في حوار مع (الرأي العام) يُنشر لاحقاً أنّ ما تَمّ توقيعه بين الخرطوموجوبا لا ضمانات له ويتوقف على إرادة الطرفين، خصوصاً الجنوب الذي يراه البروفيسور في الموقف الأضعف بسبب الضغوط المعيشية هناك، ما تجعله الأحرص على تحقيق استقرار في العلاقة بين البلدين، بالتالي يجعل الفرح متزامناً مع هبوط الطائرة الرئاسية الجنوبية في مطار الخرطوم.