تلاحظ في الايام الاخيرة ان اتجاهاً قوياً أخذ يتنامى لتأجيل الانتخابات العامة الرئاسية المفروض اجراؤها بموجب اتفاقية السلام الشامل والدستور القومي المؤقت، بل ان كثيراً من المراقبين يكادون يجزمون ان لا مفر من تأجيل الانتخابات المقرر لها في يوليو المقبل. مع ان الحركة الشعبية الشريك في حكومة الوحدة الوطنية أبلغت معارضتها للتأجيل، الا ان اولئك المراقبين يعتقدون انها معارضة (تكتيكية) في انتظار رد فعل القوى السياسية الاخرى، وبالاخص الشريك الاكبر حزب المؤتمر الوطني.ويشير المراقبون ان إقتراح التأجيل جاء من مسؤول كبير في الحركة د.لوكا بيونق وزير شؤون رئاسة حكومة الجنوب، الذي طرح قبل اسبوعين اقتراح التأجيل، نسبة لظروف الامطار وعوامل لوجستية اخرى تجعل من الصعوبة عقد الانتخابات قبل يوليو 2009م واقترح تأجيلها الى ما بعد فصل الخريف. ولكن الحركة الشعبية اسرعت بنفي اقتراح د.بيونق. وقال د.رياك مشار نائب رئيس الحركة ان فكرة الوزير كانت مجرد رأي شخصي. فالرأي السائد بين اخواننا الجنوبيين ان اي تأجيل للانتخابات سوف يتمخض عن (انتهاكات) اخرى (لاتفاقية السلام الشامل)، ويمنح حزب المؤتمر الوطني حجة لإحداث تعديلات في الاتفاقية تؤدي الى تفريغها من اهم بنودها وبالاخص البند الذي يدعو الى اجراء استفتاء، حول تقرير المصير المقرر له العام 2011م. وهذا الموعد بالنسبة لاخواننا الجنوبيين خاصة الانفصاليين المتشددين تاريخ مقدس ويعتبرونه خطاً أحمر لا ينبغي تجاوزه تحت اي ظرف. وهذا ما اكده حزب (يوساب)، فقد قال أمينه العام بروفيسور اجانق بيو ان حزبه يتمسك باجراء الانتخابات في موعدها (لتجنب اي انتهاك في عملية السلام)، الصحافي الجنوبي البارز الفريد تعبان الذي اعلن انضمامه رسمياً للحركة الشعبية في ابريل الماضي كان اكثر تشدداً في معارضته لاقتراح د.بيونق وقال (ينبغي ادانته بأقوى الكلمات) واضاف: (هطول الامطار في الجنوب كل سنة معروف منذ الازل، وهذا يتطلب فقط الاعداد المبكر للانتخابات). ولكن الى جانب الامطار هناك عوامل اخرى قد تقف حائلاً دون اجراء الانتخابات في يوليو المقبل، فبعد اجازة قانون الانتخابات في يوليو الماضي توقف كل شيء بالمفوضية التي تقع عليها المسؤولية الكاملة للاشراف على وتنفيذ عملية الانتخابات في كل انحاء السودان لم تشكل بعد، والوقت المتبقي لا يكاد يكفي المفوضية للقيام بمهامها على اكمل وجه، والقوانين التي تضمن انتخابات نزيهة وشفافة، مازالت تنتظر المجلس الوطني لإجازتها، مثل قانون الامن والصحافة ومشكلة دارفور مازالت قائمة ومن الصعب أو المستحيل اجراء انتخابات في اقليم مضطرب، وفي الجنوب تواجه حكومته مشاكل امنية وقبلية. ومع ان حزب المؤتمر الوطني لم يؤيد علنا حتى الآن أية فكرة لتأجيل الانتخابات إلا ان صاحب (الخرطوم مونيتور) يخشى استغلال المؤتمر الوطني تأجيل الانتخابات لمصلحته ويقول: (على الحركة الشعبية ان لا تقبل اي تأخير للانتخابات)، لان المؤتمر الوطني وعناصر اخرى -لم يسمها- معادية للاتفاقية، سوف يستغلون هذا التأجيل لمصلحتهم وسيطالبون بتأجيل الاستفتاء المقرر اجراؤه العام 2011م. ويضيف (ان على الجنوبيين ان لا يقعوا في المصيدة ويطالبوا بدلا من ذلك بالاسراع بتسمية مفوضية الانتخابات وترسيم الحدود وتحديد الدوائر، فإذا تجاوزنا كل هذه المشاكل فليس هناك داع لتأجيل الانتخابات حتى ليوم واحد). ويؤيده في ذلك كاتب صحفي آخر ايمانيول صنداي دي مون الذي قال في عموده الراتب في نفس الصحيفة (ان بيان لوكا بيونق يتعارض مع مباديء اتفاقية السلام وغير مرغوب فيه. فهو يحدث ثغرات في استفتاء تقرير المصير وعلى الحركة الشعبية ان لا تعطي المؤتمر الوطني فرصة للعب لعبة قذرة خلال الاستفتاء في الجنوب). ورغم هذه المعارضة الظاهرية من جانب اخواننا الجنوبيين فان كثيراً من المراقبين يرون ان الاتجاه يتنامي كل يوم صوب التأجيل. فقد كتب صحافي جنوبي في الخرطوم مونيتور يؤيد طرح لوكا بيونق ويقول: (اوموتو م. اونق) (اكيد ان الانتخابات في جنوب السودان ستفشل بسبب الامطار التي ستعيق عملية المفوضية الطرق التي تربط مدن الجنوب الرئيسية -جوبا- ياي- يامبيو وحتى رومبيك من المستحيل العبور عليها في موسم الامطار وحتى في ولايات مثل غرب الاستوائية ومناطق اخرى مثل ملكال فان المواطنين ينتقلون فيها بصعوبة وتزيد عليها الامطار صعوبة ولا يمكن للمصوتين الاداء باصواتهم). بل ان كاتباً جنوبياً آخر دعا في نفس الصحيفة حكومة الجنوب رفض الانتخابات برمتها في الوقت الحاضر. ويقول غوردون أوبات ان هذا الرفض لن يشكل انتهاكاً لاتفاقية السلام لان شروط اجرائها في الاتفاقية ليست مستوفاة، وعضد أوبات وجهة نظره قائلاً: (ان اكثر من نصف سكان الجنوب يعيشون حالياً في الشمال وتم احضارهم هناك خلال التعداد السكاني الاخير، ولأن عامل القبلية لم يستخدم خلال التعداد في مايو الماضي فمن المستحيل معرفة العدد الاجمالي للجنوبيين في السودان). الكاتب يعتبر ان اهم بند في الاتفاقية هو الذي ينادي باجراء الاستفتاء لتقرير المصير العام 2011م ويقول (فقط بعد الاستفتاء يمكن التحدث عن الانتخابات، ان على حكومة الجنوب ان ترفض الانتخابات، فان ذلك لن يعتبر انتهاكاً لاتفاقية السلام لان شروطاً مثل تلك الاجراءات غير مستوفاة). ومن المفارقات ان افتتاحية (خرطوم مونيتور) تشكك في اجراء الانتخابات في موعدها: (ان واحدة من الاشارات المهمة التي تعمل (ضد اجرائها) هي الحرب الدائرة في دارفور، واما العوامل الاخرى فتشمل التعداد السكاني وترسيم الحدود والوضع الامني في البلاد مازال في اعلى قائمة المعوقات، وهناك جيوب الميليشيات والجماعات المسلحة الاخرى التي تشكل عدم استقرار في الجنوب). الاممالمتحدة هي الاخرى تشكك في امكانية اجراء الانتخابات في موعدها فقد نسبت اذاعة المرايا الى ممثل الامين العام في السودان قاضي اشرف شكوكه أن إجراءها في يوليو المقبل ربما يكون صعباً نسبة لموسم الامطار. وقالت الاذاعة ان قاضي يفضل اجراءها في وقت آخر ونسبت الاذاعة الى المسؤول الاممي قوله: (ان الفترة المتبقية قصيرة باعتبار ان مفوضية الانتخابات لم تشكل بعد)، ولكنه اضاف (يمكن اجراء الانتخابات في يوليو حسب اتفاقية السلام الشامل).