أما التخريج فأعني حفلات التخريج التي دأب الخريجون على تنظيمها في الأندية بحضور أسرهم و أصدقائهم , و يتفننون في إخراجها من أغنيات و رقصات و (حنّة) أظنها جلبت عليهم (الهوا) بلغة شباب الخريجين , لكن لا أظن أن الأمر في مجمله يستدعي تدخل السلطات بالمنع , حيث لا تخرج احتفالات التخرج عن سلوك ثقافي عام يتبعه الناس في احتفالاتهم بالعرس أو الختان أو الحصاد أو وداع الحجاج و استقبالهم , و ليس من الحكمة في شئ أن تتدخل السلطة لمنع شكل احتفالي لأن لها رأياً في الحنة أو في رقصة العروس أو في (بدعة) المديح .. فهذه كلها تعبيرات ثقافية مركوزة في الإرث المجتمعي . و يعرف أن السلطة الناجحة هي الأقل تدخلاً في نشاط المجتمع , و يكفي أن تضطلع الجهات الحكومية بالتعاون مع منظمات طوعية بأدوار توعية لمحاربة ظواهر سالبة أو تقاليد ضارة , و لن يؤدي المنع غرضه خاصة إذا كان ضد مظاهر ليست ضارة بل قد يستحسنها كثيرون مثل حفلات التخرج التي أرجو ألا تمتد لتخريج تلاميذ الروضة , حيث نرى من وضعوا أرجلهم للتو على طريق التعليم يسيرون في مواكب تتقدمهم سيارات الأبواق , معلنة عن تخريج الطفل (مهند ) من روضة (المهد) . أما التخريب فأعني به التخريبية , و هو الوصف الذي يطلق على المحاولة الأخيرة . ذكرني الوصف ما كانت تطلقه إسرائيل على الفدائيين الفلسطينيين . كانوا يسمون من قبل دولة الكيان الصهيوني بالمخربين , ذلك قبل ظهور مصطلح (الإرهاب و الإرهابيين) . و كانت المحاولات الانقلابية الفاشلة المرتبطة بمواطنين من غرب السودان يطلق عليها المؤامرة العنصرية , و كثيراً ما يرد اسم السياسي الراحل فيليب عباس غبوش بتلك المحاولات , لكن المحاولات الأخرى التي تتورط فيها عناصر من جهات أخرى فهي محاولات انقلابية . و لا أدري لِمَ وصفت المحاولة الأخيرة بالتخريبية رغم أنها محاولة لقلب نظام الحكم , لا لتخريب منشآت أو تحطيم دور و مقار . سموا الأشياء بأسمائها , و أفسحوا المجال بلا تضييق , دعوا الناس يحتفلون بتخرج أبنائهم كيفما شاءوا , فما بلغ الأمر حداً خطيراً (و ده ما شغل حكومة) و دعوا الجماهير تعبر و تنتقد عبر احزابها و في ندواتها و لياليها السياسية حتى لا يضطرون للوسوسة . و لو تحدثوا جهاراً نهاراً لافتضحت سطحية و ضحالة (أبطال) كثيرين ينفعهم الآن (السكات) الإجباري و يسترهم . دعوهم يحتفلوا و يرقصوا و ينتقدوا (و شوفو تاني كان تسمعوا بتخريبية) .