اصرار فرنسي معلن للعب دور محدد ترغب فيه باريس بين الحكومة والمحكمة الدولية لم يحجمه رفض الحكومة ولا تحفظاتها علي كل ما تقوم به فرنسا في الفترة الماضية ،بل يبدو انها ازدادت اصراراً، فالشروط القديمة التي طرحتها باريس لتجاوز الازمة بعد اقل من ثلاثة اسابيع من اصدار المدعي العام للمحكمة الجنائية اصدار طلب توقيف الرئيس البشير ،وجدت صدي أوسع عندما اعادها الرئيس الفرنسي وتلاها علي الملأ في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة ، وقال الرئيس الفرنسي امام الرؤساء : «لا نريد زعزعة البشير ،لكننا نريد كذلك احترام بعض المباديء»، واضاف ان فرنسا توافق علي استخدام المادة 16 من قانون المحكمة الجنائية الدولية والتي تجيز لمجلس الامن الدولي تجميد ملاحقة المطلوبين لمدة عام مشددا في ذات الوقت على رفض فرنسا تجميد الاتهام نفسه ،والشروط الفرنسية تتركز علي تغيير سياسة الخرطوم في دارفور جذريا وفورا ،وايضا من ضمن الشروط الفرنسية اكتمال انتشار القوات الهجين في دارفور لوقف ما اسماه ساركوزي فضائح القتل في المنطقة والا يبقي اشخاص متهمون بارتكاب مجازر داخل الحكومة في اشارة لتسليم احمد هارون وعلي كوشيب اللذان سبق وان طالب المدعي العام ووافقه قضاة المحكمة الدولية بتوقيفهما،ولقد سبقت باريس بالكشف عن شروطها تلك مرات عديدة بدأتها بحوار مباشر مع الحكومة التي لم تكن ترغب حتي في خروج المقترحات الفرنسية للعلن ،الا ان رغبة فرنسا في طرحها كانت اقوي فاعلنتها عبر وكالة انبائها الرسمية عن مصدر بالقصر الرئاسي، لكن الجديد في خطاب ساركوزي امام رؤساء العالم بنيويورك وشروطه انه شمل ولاول مرة طلب باريس بان تكف الخرطوم عن التدخل في شؤون جارتها تشاد ،كاضافة اخيرة للشروط السابقة وان كانت تبدو مهمة ،ولعل فرنسا يعنيها هذا في المقام الاول رغم انها ادرجتها في ذيل مطالبها من الحكومة قبل ان تسعي لتجميد طلب ملاحقة الرئيس البشير . لكن الحكومة التي رفضت رسميا اكثر من مرة المقترحات الفرنسية ،اكدت موقفها الثابت من طلب الاعتقال نفسه ،وحذرت من محاولات مقاضاة الرئيس البشير وقالت علي لسان محجوب فضل السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية ان الحكومة مستعدة للذهاب لابعد مما يمكن ان يتصور اذا تركت الاممالمتحدة ومجلس الامن السودان في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية ،وقال ان الخرطوم ستتخذ اجراءات لن تكون اقل من انهاء كل الاتفاقيات المبرمة مع الاممالمتحدة.. ويبدو ان الحكومة لا يمكن ان تقبل بمقترح التاجيل الذي يعني ضمنيا الاعتراف بالمشكلة ولكنها كان يمكن ان تقبل وفق مراقبين ان تفاوض حول المقترحات الفرنسية اذا كانت حول إلغاء الاتهام نفسه . والمقترحات الفرنسية لم تجد ايضا قبولا من بعض الجهات والمنظمات الدولية من بينها منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس اللتان رفضتا مبدأ المساومة الذي عرضه الرئيس الفرنسي ووصفته في بيان رسمي «بالتراجع الواضح في مجال القضاء الجنائي الدولي» . د عبده مختار استاذ العلوم السياسية بجامعة الزعيم الازهري وصف ما يقوم به الرئيس الفرنسي في اجتماعات الاممالمتحدة في نيويورك بانه ابتزاز سياسي ومحاولة للضغط علي الحكومة واضعافها ،مشيرا الي ان المقترحات الفرنسية تعني اعتراف من الحكومة بأن مذكرة اوكامبو ذات طابع قانوني فقط ،واشار الي ان الحكومة اذا وافقت ستظهر في موقف متناقض، ورجح ان تتمسك الحكومة بموقفها المبدئي المعلن من القضية ،وتستمر في حملتها البلوماسية بحشد الدعم والتايييد لموقفها ،واكد مختار في ختام حديثه ل «الرأي العام» ان التوصل لتسوية سياسية بين الحكومة والحركات المسلحة وانهاء ازمة دارفور يعتبرالحل الجذري والوحيد للخروج من الازمة . محللون ومراقبون يؤكدون ان الدافع الاول للمقترحات الفرنسية هو قلق باريس من ان تكون الخرطوم معبرا لتدخلات قوي اخري قد تصل تاثيراتها تشاد ،ففرنسا لاول مرة ومنذ بداية الحرب في دارفور منذ سنوات تصر وترغب بصورة مستمرة وتسعي لفرض حلول ومقترحات لحل الازمة تحركها مخاوف تقول انها مبررة حول مصالحها في المنطقة . عموما مابين المقترحات الفرنسية ورفض الحكومة وتجاوز الرئيس الامريكي للامر في خطابه امام اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، تبقي ان الازمة لا زالت قائمة بين الحكومة واوكامبو ،ورغم ذلك الجميع في انتظار ما تخرج به اجتماعات المنظومة الدولية ..