منذ تفجر ثورة الإنقاذ الوطني في يونيو من العام 1989، دخلت الحركة النقابية السودانية فى حالة توافق مع حكومة الانقاذ، رغم ان الحكومات السابقة كانت على خلاف دائم مع الحركة النقابية، حيث كانت تخرج المظاهرات فى حال زيادة أسعار السلع الأساسية كالسكر مثلاً، واحتجاجات طلابية ونقابية فى قضايا شتى، ولكن نجحت حكومة الإنقاذ فى خلق حالة من (التوافق الفريد) مع الحركة النقابية التي أصبحت نصيرة للنظام وتدعم مواقفه وسياساته، غير أنّ حكومة الإنقاذ والحركة النقابية وجدتا نفسيهما فَجأةً أمام مواجهة مُحتملة فجّرتها قضية زيادة الأجور فى الموازنة الجديدة للعام 2013م، حيث فشل وزير المالية وإتحاد العمال فى التوصل الى اتفاق يقضي بزيادة الأجور حتى يوم أمس. بينما تطرح الموازنة اليوم فى جلسة استثنائية لمجس الوزراء رغم تباين المواقف واحتدام الخلافات بين وزارة المالية وإتحاد العمال الذي يَتَمَسّك بزيادة الأجور، وهدد باللجوء لعقد اجتماع طارئ للجنة المركزية للعمال للبت بشأن تجاهل وزير المالية لطلبهم القاضي بزيادة الأجور. بينما تمسّك الوزير برفضه لزيادة الأجور بحجة عدم وجود موارد، وربط الموافقة بزيادة الأجور برفع الدعم عن المحروقات والسلع الاساسية، ليصبح الخيار الآن أمام رئاسة الجمهورية التى لجأ اليها الطرفان، وامام مجلس الوزراء الذي سيناقش الموازنة المرفوعة اليه بدون زيادة في الأجور اليوم. كما يبقى أمل العمال فى البرلمان الذي سيقرر ايضاً فى زيادة الأجور عندما ترفع اليه الموازنة خلال هذا الشهر اذا لم تحسم رئاسة الجمهورية الجدل الدائر بين المالية والعمال بشأن زيادة الأجور. موقف العمال وجدد المكتب التنفيذي لإتحاد العمال أمس تمسكهم بزيادة الأجور، ورفضهم القاطع لمقترح وزير المالية بربط الزيادة برفع الدعم عن السلع الضرورية (البترول ومشتقاته والدقيق والسكر). وأكد أحمد عيدروس رئيس إتحاد العمال بالإنابة أن الإتحاد ظل في حالة عقد اجتماعات طارئة لمناقشة هذه القضية بمشاركة جميع الإتحادات والقيادات العمالية بجميع ولايات البلاد. وذكر أن مقترح تحديد زيادة الحد الادنى للأجور لم يحدده الاتحاد، وإنما يحدد بواسطة اللجنة الثلاثية التي تضم المجلس الأعلي للأجور وإتحادي العمال وأصحاب العمل. وقال عيدروس في مؤتمر صحفي أمس بدار الاتحاد ان الإتحاد ينتظر أن يوافق مجلس الوزراء على مقترحاته التي قال ان بالموافقة عليها يتم الوصول لحل لهذه الأزمة وطي هذا الملف نهائيّاً. وأضاف: أن الإتحاد طلب عقد اجتماع مع رئيس الجمهورية لعرض وجهة نظرهم والسعي للتوصل لحل مناسب، وزاد: (ننتظر) تحديد موعد لعقد الاجتماع مع الرئيس، وأوضح أنه في حال عدم الموافقة على زيادة الأجور سنعلن عن عقد اجتماع طارئ للجنة المركزية للاتحاد والتي قال: وقتها ستتخذ القرارات التي تراها مناسباً (باعتبار أنّها الجهة الوحيدة التي تملك اتخاذ القرار المناسب) وتضمن للعمال استحقاقاتهم التمسك بالزيادة وأضاف عيدروس: إنّ زيادة الأجور هي مطلب لا نتنازل عنه مهما يكن خاصةً وإنّ الحد الحالي يساوي (1947) جنيهاً وهي تكفي فقط ل(11%) من تكلفة المعيشة لأسرة مكونة من (5) أفراد حسب دراسة رسمية شاركت فيها الجهات ذات الاختصاص وأجراها المجلس الأعلى للأجور. لا خلاف مع الحكومة وحول خلاف الإتحاد في الوقت الحالي مع الدولة قال عيدروس إنّ الإتحاد ليست له خلافات مع الدولة، وإنّما مع وزير المالية الذي قال انّ (الدخول لمكتب الأستاذ علي عثمان محمد طه أسهل من الدخول لمكتب وزير المالية)، واشار الى أن السبب وراء تفاقم وتيرة الخلاف في هذا العام جاء لعدم دعوة الإتحاد للمشاركة في اجتماعات اعداد الميزانية، وأوضح عيدروس ان الاتحاد لم يدخل في خلاف مع وزارة المالية حول الزيادة في الحد الأدنى في الفترات السابقة باعتبار أنه كان لا يوجد ما يستدعي الخلاف، لكن بعد ارتفاع نسبة التضخم وارتفاع السلع المهمة رفع الإتحاد مقترح الزيادة، وعندما تمّ رفضها ورهن الوزير الزيادة للحد الأدنى للأجور برفع الدعم عن السلع الضرورية نحاول حاليا الوصول لحلول حاسمة، وأضاف: إن سياسة الحد الادنى للأجور هي سياسة قومية واي تراجع عنها يقود لانهيار شكل الخدمة العامة ويؤدي لخلل فيها ويقلل من إنتاج العاملين في ظل عدم الاهتمام بأوضاعهم وتحسين بيئة العمل المناسبة لهم وإعطائهم استحقاقاتهم كَاملةً. مبررات الخلاف وبرر عادل محمد صالح أمين المال باتحاد العمال الدخول في خلاف مع الدولة (وزارة المالية) بعد مرور (23) عاماً بقوله: في السابق كانت توجد شراكة حقيقية بين الحكومة والعمال التي من بينها وجود دعم للسلع الضرورية، بجانب أن الأسعار كانت مناسبة، بجانب تقديم منح للعمال تسهم في تخفيف أعباء المعيشة وغلاء الأسعار على هذه الشريحة المحتاجة للدعم وتحسين الأوضاع . وقال عادل إن الزيادة التى يطلبها الاتحاد تبلغ (60) جنيهاً فقط، لان الحد الأدنى ظل ثابتاً ب (165) جنيهاً ولم يتم وضع زيادة علية حتى الآن. وعزا الأمين النص، الأمين العام بالاتحاد بالإنابة احتدام الخلاف والجدل الدائر حالياً بين الطرفين لعدم دعوة الاتحاد لحضور اجتماع رفع مقترحات الموازنة من وقت مبكر الأمر الذي تسبب في ان تتصاعد المسألة حتى الوقت الحالي. وقال إن الاتحاد سيناقش اليوم بمجلس الوزراء جملة من القضايا والمشكلات التي تواجه مسيرة العمال، مؤكداً مشاركة قيادات الولايات. وتفيد متابعات (الرأي العام) بأن اتحاد العمال ظَلّ يلاحق وزير المالية من وقت لآخر للاجتماع به لمناقشة كيفية زيادة الحد الأدنى للأجور في موازنة العام الجديد (2013م). وأكدت اتحادات العمال بالولايات تمسكها بضرورة وضع زيادة على أجور العاملين بالدولة في موازنة العام الجديد، وطالب وزير المالية للموافقه على مطالبات العمال لتحسين الحد الأدنى لأجورهم وضرورة الموافقة على مقترحات الاتحادات الولائية في هذا الصدد لزيادة الحد الأدنى، وقالوا إنّ موافقة مجلس الوزراء اليوم على مقترحاتهم تسهم في طى الخلاف مع الدولة، وتفادي حدوث اي قرارات قد تسهم في عدم استقرار العمل في الفترة المقبلة، كما ان الموافقة على الزيادة تسهم في امتصاص آثار غلاء الأسعار، ومراعاة أوضاع العاملين خاصةً مع الارتفاع المتصاعد يومياً لأسعار السلع الضرورية، وذكروا أن الرواتب الحالية للعاملين لا تفي لأبسط متطلبات الحياة اليومية. وانتقدت قيادات عمالية بالولايات عدم استجابة وزير المالية لمطالبات الاتحاد، خاصة وانّ رئيس الجمهورية كان قد طالب الاتحاد في اجتماع مع اللجنة التنفيذية في الأشهر الماضية لوضع دراسة متكاملة حول الحد الأدنى للأجور ورفعها لمجلس الوزراء لاتخاذ قرارات بشأنها. وتفيد متابعات (الرأي العام) بأنّ الإتحاد كوّن لجنة متخصصة لهذا الأمر بمشاركة الجهات المختصة، وان اللجنة رفعت توصياتها للمجلس في الشهر الماضي. تحفيز العاملين وقال فتح الله عبد القادر أمين عام علاقات العمل باتحاد العمال ان الإتحاد حريص لمناقشة أمر تحسين اجور العاملين في الموازنة الجديدة، وأضاف فتح الله ل(الرأي العام) أن زيادة الأجور تحفز العاملين على مضاعفة الجهود التى يتم عبرها الوصول للانتاج المطلوب وبالتالي ارتفاع ايرادات الدولة، وتوقع أن تتم الاستجابة لمطلب الاتحاد لتحسين الأجور في الموازنة الجديدة. رفض ولائي وقال محجوب إيدام رئيس إتحاد عمال ولاية شمال كردفان ان زيادة أجور العاملين في الدولة تعتبر ضرورة لابد منها، داعياً الجهات ذات الصلة لوضع إعتبار لها في الموازنة الجديدة. والا سيتم عقد اجتماع اللجنة المركزية للعمال، وأكد إيدام في حديثه ل (الرأي العام) أن الأجور الحالية للعمال لا تتناسب مع غلاء الأسعار، مبيناً أن معظم العاملين لا يكفي راتبهم لمقابلة الاحتياجات الضرورية. وطالب محمد توم مازري الأمين العام لاتحاد عمال ولاية سنار وزارة المالية والجهات المعنية لأهمية زيادة أجور العاملين في العام الجديد، مشيراً ل (الرأي العام) أن العاملين يواجهون أوضاعاً اقتصادية قاهرة، قال إنه لا سبيل لحلها إلا عبر تحسن الأجور. وتوقع عبد الرحمن علي دينار رئيس إتحاد عمال ولاية شمال دارفور أن تراعي وزارة المالية أوضاع العاملين بالقطاع العام وتضع زيادة في الحد الأدنى، الذي قال إنه يتناقض تماماً مع الارتفاع الملحوظ لأسعار السلع المُهمّة، وقال دينار ل (الرأي العام) ان الظروف التي يعيشها العاملون تجعل الزيادة أمراً واجباً.