ربما فطن وفد السودان المشارك في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان بجنيف، الى المأزق الذي كانت ستضعه فيه المجموعة الأوربية في حالة التمسك برفض المقترح الأوربي القاضي بتمديد ولاية سيما سمر المقرر الخاص لحالة حقوق الإنسان بالسودان والاتجاه نحو التصويت داخل المجلس إذ ربما نجحت المجموعة الأوربية وإن كانت نسبة النجاح ضئيلة إلا أن تمرير قرارها بالتصويت يعني تمرير قضية المحكمة الجنائية الدولية والزج بها في اجتماعات المجلس رغم محاولات وفد السودان لإبعاد هذا البند. لذلك فيمكن وصف الحالة التي خاض فيها السودان معركة دبلوماسية واتصالات ماكوكية بين الدول والمجموعات في جنيف بأنها معركة خرج منها السودان بأقل الخسائر إذ استطاع أن يفلت من قضية المحكمة الجنائية وسحب إدانات المجلس ضد السودان وقلص مدة سيما ل (6) أشهر بدلاً عن عام. وأمس الأول أنهى مجلس حقوق الإنسان بجنيف قضية ولاية سيماسمر بتمديد ولايتها ل (6) أشهر إلا أن القضية برمتها ستشهد خلال اجتماعات المجلس المقبلة تطوراً في سياسة المجلس تسقط بموجبه مسألة المقررين الخاصين مع بروز اتجاه لاستبدال وجود مقررين للدول بما يسمى بالمراجعة الشاملة الدورية أو الاستعراض الدوري الشامل الذي يشمل الدول كافة بخلاف المقرر الخاص الذي يركز على دولة معينة. وفي المنحى يكون الاتجاه استعراض حالة حقوق الإنسان في كل الدول بالتساوي. ومجلس حقوق الإنسان آلية سياسية غالباً يقوم ممثلو الدول الأعضاء فيه بإعلان نوايا سياسية لذلك -على ما يبدو - حاول وفد السودان الإفلات من نوايا الدول الأوربية المتجهة نحو إدانة السودان وإصباغ خصوصية المجلس على قضية الجنائية، فلم يجد غير الاستجابة لنداءات المجموعة الإفريقية التي تقود الدورة الحالية مصر، وقبل بمقترح التمديد حين استجابت المفاوضات لاشتراط السودان حذف أية إدانة في التقرير خاصة في ظل المقترح الأوربي الذي حوى (22) بنداً مثلت إدانة للسودان وحوى (5) فقرات سيئة للغاية طبقاً للسفير حمزة أحمد بوحدة حقوق الإنسان بالخارجية. المجموعة الأوربية أصدرت مشروع قرار وصف بأنه من أسوأ مشروعات القرارات واجهته المجموعة الإفريقية التي حملت وجهة نظر السودان وتم التوصل الى قرار بتحسين المقترح، الأمر الذي يعتبره السفير حمزة بأنه بداية النهاية لإنهاء تفويض سيما. والسفير يشير الى أن إضافة إشارة إيجابية تتمثل في فقرة تشير الى مرجعية اتفاق أبوجا فيما يتعلق بالمحاكمات وتنقيح مشروع القرار الأوربي وتداعيات أخرى ذهبت لإصدار المجلس لقرار بشأن السودان وصف بأنه من أفضل القرارات التي صدرت منذ إنشاء ولاية المقرر الخاص في 2005م وذلك لخلوه من أية إدانة أو شجب والنجاح في استبعاد قضية الجنائية وتخفيض مدة الولاية. وعلى الرغم من أن وجود مقررخاص للسودان يمثل إدانة وإشارة لوجود مايستدعي مراجعة الأممالمتحدة للشأن الإنساني إلا أن السودان أكد بأنه سيتعاون مع سيماسمر خلال ال (6) أشهر للتأكيد على تعاونه مع المجتمع الدولي رغم تحفظاته على سيما وتقاريرها المغلوطة. ويشير د. عبد المنعم عثمان محمد طه مقرر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الى أن التعامل مع سيما في الفترة المتبقية سيكون ضمن استراتيجية ممتدة تعتمد على الشفافية والتعاون. عبد المنعم ذهب بقوله «متأكدون أنها ستكون الولاية الأخيرة». القضية التي برزت على السطح على خلفية إبعاد قضية سيما ظهور دول إفريقية شذت عن المجموعة الإفريقية واتجهت نحو المطالبة ببقاء مهمة سيما. هذه الدول تتمثل في دول يوغندا وزامبيا وغانا وقد كانت بعيدة عن مساندة السودان وقريبة من المجموعة الأوربية. ويبدو أن موقف تلك الدول ترك أثراً نفسياً على وفد السودان لدلالات تأييد دول إفريقية شقيقة واعترافها الضمني بوجود ما يستدعي التدخل في الشأن السوداني. وفي الخصوص أشارت الخارجية السودانية الى أنها ستسعى بوضع استراتيجية معينة للاقتراب من تلك الدول وهي تأمل أن يكون موقفها سياسياً لا أن يكون قائماً على الإقناع.