خطأ الانقاذ أو ما اعتبره كثيرون أخطاءها .. ظنه البعض قابلاً للتكسير وإعادة (صب) ووضع حجر اساس جديد .. متهمو التخريبية مؤخراً ، أعتلوا منصة التاريخ ، وحاكموا تجربة حكومتهم ، ليتخذوا من الاخطاء مبرراً للتصحيح ، وهو ما أكده الفريق محمد عطا مدير الامن ، ببورتسودان أمس الاول ، بأن المحاولة التخريبية هي انقلاب على الحكم كامل الاركان ، والإعداد اشترك فيها ضباط من الجيش والأمن وسياسيون وقال المخطط كان يكفي لتنفيذها وان المجموعة اعدت بيانها كثورة بديلة باسم الثورة التصحيحية... عبارة(تصحيحية) اثارت سخرية البعض لجهة ما تحتويه العبارة من اشارات ايجابية لنظام الحكم ، ومحاولة تصحيح اخطائه ، أي فى سياق وجود الاصل ذي الطبيعة الاسلامية.. وجهة النظر هذه، حملها منظرو اليسار والمعارضة بشكل عام وأنصار الدولة المدنية العلمانية بشكل أكبر، باعتبار أن الاصلاحيين متهمو التخريبية موافقون بأصل المشروع معترضين على نواقصه أو بعض سوءاتها ، بالتالي فهم غير معترفين بالفشل الكلي لمشروع الاسلاميين في السودان.. الفريق الاخر من الساخرين ، بدا اكثر تريثاً ومتأملاً لطبيعة النظام السياسي فى تجربة الإنقاذ ، واعتبره نظاما عقائديا مبنيا على ايدلوجية يعبر عنها مشروع (الاسلام السياسي) بشعاراته المعروفة في (الاسلام هو الحل)،(ولا تبديل لشرع الله)،(ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون).. بالتالي فان معتنقي الايدلوجيات وأصحاب المشاريع والأنظمة والتجارب ذات الغطاء الفكري ، لا تسمح بمشاريع اصلاحية داخلها ، بحكم الطبيعة العقائدية .. الفرضية الثانية عطفاً على الاولى، وجدت حظها من النقد لدى اسلاميين عديدين ، فاستشهد احدهم بأن فشل الانظمة السياسية الاسلامية لا يعني فشل الفكرة وإنما قصور التطبيق ، وأن الفشل اذا كان حتمياً ، فلماذا أقبلت جماهير الربيع العربي على صناديق الانتخابات مقدمةً الاسلاميين في دولهم .. قيادات نافذة بالدولة ترى أن اسلاميي التخريبية، تم التغرير بهم وخداعهم، ولفتت الى أن فتنة السلطة لها دورها فى تغيير الافئدة وتقلب القلوب وقالت فى حديثها أمام (الرأي العام) انه لا عاصم للقلوب من التقلب سوى الرحمن باعتبار أن قلوب العباد بين يديه .. التصحيح(كمفردة) أو(كمفهوم) أو (كهدف) فى سياق المحاولة التخريبية الأخيرة ، بدا كمبرر كذبته القيادات السياسية بالدولة، باعتبار أن القادمين الجدد على ظهر المحاولة لن يستطيعوا تحقيق ما حققه النظام الحالي ، وإنما تحركهم الاطماع وتحسين الأوضاع .. ابرز السيناريوهات التي أقحمت الاصلاح في مشهد المحاولة تلك التي ربطت بين المحاولة وبين تطورات المؤتمر العام الثامن للإسلاميين ، وسعت السيناريوهات لتكريس أن المحاولة جاءت كرد فعل طبيعي من قبل من عرفوا بالإصلاحيين الذين يتخذون من د.غازي صلاح الدين رمزاً لهم .. الدولة وحزبها الحاكم بوعي أو بدونه ؛ دعمت الاشاعة باجتماعات مع قيادات وقواعد الدفاع الشعبي قبل أن تعززها بنفيها لإقالة د. غازي صلاح الدين الموصوف بزعيم الاصلاحيين فى أجواء استبقها بيان ممهور بتوقيع (الاصلاحيين) معظمهم من الشباب .. عموماً الصيغة الإصلاحية لم تبرز فى تحركات الاسلاميين وتململاتهم الداخلية خلال حقبة النظام الحالي فقط ، ولم تقف عند حدود ومستوى السلطة، وإنما تجاوزتها لتبرر ايضاً انقسامات الأحزاب .. أشهر التحركات العسكرية المضادة واتخذت اسم (تصحيحية) كانت في يوليو 1971 م على نظام النميري ، وطبقاً للتوثيقات عن تلك الحقبة فإن النميري بدا ذا توجهات اشتراكية وقريباً من المعسكر الشرقي قبل أن تدور الايام ويميل غرباً ، ما اسهم فى تحرك يوليو المعروف ، وظلت اشهر الثورات المعروفة بالتصحيحية في الثقافة السياسية السودانية .. على المستوى الحزبي ، فإن انقسامات اليسار كلها بشكل عام والقوميين بشكل خاص، ارتبطت باتهامات انحراف للقيادة عن الخط السياسي والتنظيمي وربما اتهامات بالردة الفكرية، وان الخروج أو اعادة التشكيل من جديد يمثل تصحيحاً لمسيرة الحزب .. عموما تظل الخطوط الفاصلة بين الانقلاب الكلي وبين التحرك التصحيحي، خطوطا واهنة وضعيفة لجهة ، عدم وجود اتفاق سياسي متعارف عليه ازاء مفهوم الانقلاب نفسه ناهيك عن التحركات المماثلة ، وحتى تستقر الفروق نظرياً ، فان تصحيحية التخريبية لن تقلل من النوايا المبيتة لعدم الغفران ..