نكسات وربما هزات، تلك التي أصابت الحزب الحاكم والإنقاذ منذ قدومها في الثلاثين من يونيو ، بخروج الكثيرين من صفها الأول أو الثاني سواء بتململات داخلية من فرط ما يرونه تناقضاً بين الشعارات والممارسات أو بسبب نفاد صبر الوطني على ممارسات بعض عضويته ، أو ضيق مواعينه عن طموحات البعض الآخر ، فيكون الخروج هو النتيجة الحتمية مهما تعددت السيناريوهات .. آخر صرخات الوطني التنظيمية (برة) كانت في وجه فرح عقار القيادي بالحزب وأحد رموز النيل الازرق والوزير السابق بتهمة خرق النظام الأساسي للحزب ودعمه لأفكار المعارضة والترويج لها بحسب قرار لجنة المحاسبة وأوصت بفصله وأمَّن المكتب القيادي على توصيتها. الوطني بخطوته تجاه ابن الولاية المشتعلة وابن عم عدوه اللدود مالك عقار ؛ سعى لإرسال رسالة ربما لداخله أكثر من كونها موجهة لخارجه ، فتوعد الحزب الحاكم بحسم أي صوت نشاز خارج المؤسسية ، وطبقاً لتقارير اعلامية فان الوطني اعتبر الخطوة بداية لتبني نهج المحاسبة كاستجابة لمطالب الحزب وحرصاً على كبح التأثيرات السالبة ، بالإضافة لتحصينه من التهديدات داخل مؤسساته. قرار الوطني اثار دهشة المراقبين ، لا لوزن الرجل في الحزب ، ولكن لتوقيت اتخاذ الخطوة فضلاً عن الجغرافيا التي ينتمي اليها عقار باعتبارها احدى الولايات المشتعلة التي يفترض التعامل فيها بحذر نسبة لإمكانية استغلال خطاب التهميش سياسياً واجتماعياً ، واحتمال بروز ردود فعل مناهضة للقرار تزيد وعكات الولاية الامنية بانفلاتات حزبية لها امتداداتها القبلية وربما ما خفى كان أعظم .. النيل الازرق برغم وضعيتها الامنية الحساسة بحكم تاريخها الممتد مع الحركة الشعبية ، إلا أنها لم تسلم من سيف الوطني التنظيمي ، فسبق أن قرر الوطني فصل (5) من أعضاء المكتب القيادي بالنيل الأزرق في سبتمبر من العام الماضي ، وإحلال آخرين في مواقعهم عبر جلسة اجرائية طارئة ، وتم تبرير الخطوة حينها بأن القرار يأتي في إطار إعمال لائحة المحاسبة. نزيف الوطني تعددت محاوره و مبرراته ، باعتبار أن الاختلاف سنة كونية تتلازم والتجربة الانسانية ? بغض النظر عن الانطباعات السلبية أو الايجابية حيالها - لكن المفارقة في المؤتمر الوطني أن القفز من (سفينة) الانقاذ تلازمت وهي لا تزال طفلاً يحبو ، قبل أن تمضي على سدة الحكم في الخرطوم ومنذ بواكير أيامها ، فكانت تململات العميد عثمان أحمد حسن أول مسئول سياسي لمجلس قيادة الثورة التي أدت لتقديمه لاستقالته مرتين متتاليتين قبل ان يوصي بقبولها د. الترابي في المرة الثالثة ، ليرفض العميد الراحل مبكراً تقديم أية افادات عن أسباب الخروج والاختلاف منذ ذلك الوقت.. آلام خروج الرجل من مجلس قيادة الثورة ربما (بردها) سيناريو الموت الذي حاصر قيادات تلك الحقبة فكان بيويو كوان ثم الزبير محمد صالح ، فإبراهيم شمس الدين، قبل أن تفرق السبل البقية الباقية.. داؤود يحيى بولاد، أحد فتيان الانقاذ المدللين، حمل ذات يوم معوله نافضاً يده عن كل ما آمن به واقنع به أهله ، ليعلن رحيله صوب الجنوب وأحضان احدى بنات حركات التحرر الافريقي ببطلها قرنق آنذاك قبل ان يدير له(إخوة) الامس ظهورهم بالموت. النزيف الاكبر لإسلاميي الخرطوم، وأس الفواجع لدى آخرين، كانت محطته الزمنية (مفاصلة رمضان) الشهيرة في العام 1999م، وأفضت لخروج عرّاب النظام د.حسن عبد الله الترابي مع جملة من الأسماء اهتزت لها عروش الوطني لولا بعض من سلطة وكثير مال، قبل ان تبدأ رحلة الاستقطابات والاستقطابات المضادة في محاولات بين السر والعلن، فكانت الغنيمة الحاج آدم وحاج ماجد سوار ومحمد الحسن الأمين، وعشم في آخرين .. مراقبون ينظرون للنزيف المتواصل والمتصل، باعتباره بحكم القبضة التنظيمية الصارمة في الحزب الحاكم، فيما يرى كثيرون ان صرامة الوطني تأتي مرادفة لضيق الحزب والدولة بآراء أبناء الحركة الاسلامية المدللين وفي مقدمتهم الراحل مكي علي بلايل، ورفيقه في التأسيس الجديد أمين بناني نيو، قبل ان تعصف اشواق دارفور للتغيير بخليل ابراهيم ليحل في مقعد العدو ملحقاً بالعدل والمساواة.. رحلة النزيف في كنف الوطني، ربطها مهتمون بانفصال الجنوب واعتبروا أن الانفصال ترتب عليه ابعاد اعداد هائلة من منسوبي الحزب الحاكم من ابناء الجنوب بثقل نوعي في ولاياتهم، وفرضته شروط وضرورات الانفصال واستحقاقاتها ، ويؤرخون للأمر بفبراير من العام الماضي، حين قرر شورى الوطني فصل قطاع الجنوب من هياكله التنظيمية .. هنالك اسباب اخرى لمغادرة بعض منسوبي الوطني مواقعهم مثل فصل نائب رئيس المؤتمر الوطني بالبحر الاحمر محمد طاهر حسين على خلفية قضية اخلاقية. عموماً الاحلال والإبدال ، احدى ملامح التجربة الحزبية السودانية ، لم تكن حكراً على الوطني بل شملت جل أحزاب الساحة السياسية ، بيد ان التركيز على الوطني، يرجعه كثيرون الى أن الحزب الحاكم يقدم قياداته التنظيمية كرجالات صف اول بالدولة ما يربط الدولة بالحزب ويذوب كل منهما في الآخر ، دون تحسب للاختلاف النوعي بين التجربتين على كرسي الحكم وكرسي الحزب، لتتزايد المخاوف ازاء تصعيد محتمل في النيل الأزرق .. عبد الرحمن أبو مدين رئيس المؤتمر الوطني بالنيل الأزرق ، قلل في حديثه ل(الرأي العام) من احتمالات حدوث تأثيرات لقرار فصل عقار وقال(لا يوجد أي أثر سلبي للقرار ولا أتوقع بروز أي ردود فعل سلبية، طالما الامر يجئ في اطار اللوائح والضوابط التنظيمية والحزبية، فلا أحد يكره النظام) وبرر أبو مدين لغياب الآثار السلبية بأن عقار ليس عضواً بالمؤتمر الوطني بالولاية سواء في شعبه أو قطاعاته أو مؤتمره العام وأضاف(عقار عضو بلجان الحزب العليا وليس عضواً في النيل الازرق ، لذا كونت لجنة مركزية لمحاسبته، وجاء اتخاذ القرار من المركز مباشرةً بموافقة المكتب القيادي).. وطني النيل الازرق استبعد أن يكون المركز مهتماً بالنصوص ومنغلقاً على اللوائح متجاوزا لحساسيات التوقيت أو ظروف الولايات، وقال( الجميع ارتضى اللوائح والنظم كحكم، بالتالي فلا أتوقع أن تكون الاخطاء البسيطة ليتم اتخاذ قرارات بمثل قرار الفصل ومن المكتب القيادي للحزب، المؤكد أن الخطأ كبير ولا يمكن تجاوزه، ويمكن أن يسبب كارثة).