كل مقومات الكارثة كانت موجودة في إستاد الخرطوم في يوم (طيور الجنة).. البنزين وأعواد الثقاب جنباً الى جنب في انتظار لحظة الصفر.. المسرح كان مُعد تماما للمصيبة، نجا أطفالنا من كارثة مُحقّقة.. العناية الإلهية كانت حاضرة ومنظمو الحفل يتعاملون باستهتار شديد مع (فلذات أكبادنا) يطرحون عشرة آلاف تذكرة مقابل كل (رأس) من الأطفال في إستاد يسع عشرة آلاف دون اصطحاب لمرافقيهم الأب والأم وبقية الأسرة.. أكثر من ثلاثين ألف نسمة حشرهم المنظمون في إستاد الخرطوم دون اكتراث لما يمكن أن يحيق بهم جراء الزحمة والتدافع، ودون انتباه لحساسية الفكرة وبراءتها وهشاشة محتوياتها في إستاد سعته ضَيِّقة ولا توجد به مخارج كافية للتعامل مع أية أزمة قد تنجم عن هذه الحشود. القضية تتجاوز التنظيم الضعيف وما حدث من مرمطة لسُمعتنا في تنظيم التظاهرات الكبيرة.. المشكلة في هذا العبقري الذي منح تصديقا لهؤلاء المنظمين المُستهترين دون إعمال العقل في المآلات التي يمكن أن ينجم عنها مثل هذا التهور. المتاجرة بما يطلبه الأطفال تقتضي أن يكون المنظمون على درجة عالية من الإحساس بخطورة أن تحشد آلاف العصافير في مكان لا يسع لأنفاسهم.. ودون استصحاب للظرف الذي يجعل مثل هذه التجمعات ملغومة ونهباً لأجندة كثيرة تحدثنا بالكوارث ليل نهار. حسناً فعلت (زين) وهي تفسخ عقدها مع الشركة المنظمة وتقاطع حفل بورتسودان احتجاجاً على سوء التنظيم.. لأن ما حدث مثّل استهتاراً بالأرواح وتلاعباً بسمعة البلد وهي تفشل في تنظيم احتفال ل (طيور الجنة). كان واضحاً من البداية أنّ عنصر المغامرة قائم في موضوع الحفل المحدد له يوم الجمعة، بينما نفدت تذاكره منذ يوم الثلاثاء ودخلت السوق الأسود.. شخصياً أمضيت ليلة الخميس في البحث عن تذاكر لأنني تلقيت إنذاراً شديد اللهجة من (حازم وحسام) بأن لا أعود للمنزل بدون تذاكر طيور الجنة.. حصلت على التذاكر من صديق عزيز منحني ما كان يدخره لأبنائه لأنه غيّر رأيه فجأةً على ما أعتقد.. رجعت بالتذاكر (وش الفجر).. المفاجأة كانت أن أبنائي وأمهم ومرافقيهم لم يسألوا عن التذاكر أصلاً في بوابة الدخول.. فأي سوء في التنظيم أكبر من هذا.. عدد من الذين دفعوا الملايين لم يحظوا بفرص الدخول.. كثير ممن لم يكلفوا نفسهم عناء البحث عن تذاكر تسرّبوا الى داخل الإستاد. الفضيحة في أننا فشلنا في تنظيم (حفل) هذا الفشل يُضاف إلى رصيد سمعة جعلت بعض العرب يتهموننا بأننا لا نستطيع تنظيم حفل ميلاد.. المطلوب التحقيق في ما حدث ونشر نتائجه للرأي العام بأعجل ما تَيسّر.