الاحتفالات بإكمال سد الروصيرص نرجو ألا تقتصر على بضعة أيام أو مكان محدود . ذلك أن تلك مناسبة كبيرة قد نشأت عنها مستجدات ضخمة ومستحدثات كبيرة الأثر في حياة أعداد كبيرة من أسر ولاية النيل الأزرق ،فضلاً عن الأماني المنتظرة من إكمال تعلية السد , والمنافع المرجو تحققها على نطاق واسع ،مما يجعل السعي من أجل إكمال سد الروصيرص زهاء(46) عاماً ،أمراً مبرراً بحق. ويكفي أنه في خلال عمليات البناء أن عولجت قضايا سكانية لأهل المنطقة المتأثرة بتغييرات في مجرى النيل الأزرق، كانت مجرد أحلام . يكفي فقط أن نذكر تلك المدن والقرى الحديثة التي نهضت على ضفتي النيل ، ليشمل نفعها المباشر (سدس) سكان ولاية النيل الأزرق ،وأعني إسكان ما يربو عن (22) ألف أسرة في أحياء ومساكن جديدة حديثة الطراز،كان سكانها قبل حين قريب ، يتفرقون على فرقان ودناكيج بائسة لا تستر من مطرح ولا تدرأ زمهريراً، فإذا سدس السكان هناك ، ينتقلون إلى أحياء جديدة ، يحوي كل بيت منها متطلبات الحياة العادية , وقد شيدت بالمواد الثابتة , وزودت بالمنشآت الخدمية الضرورية , من مرافق صحية وتعليمية وتعبدية. كما زودت بالمياه الصالحة للشرب وبالكهرباء التي شملت كل القرى الجديدة وحجراتها وطرقاتها. هذا فجر جديد قد أهل في أنحاء الروصيرص ، لينتهي عهد عذاب قد طال عليهم ، حيث كان هؤلاء في مساكنهم القديمة المتهالكة يمضون شرائح من أعمارهم في جلب المياه من أماكن بعيدة، إلى جانب الاحتطاب منذ الفجر لتحضير أخشاب الوقود، في سعي يومي أرق النساء كثيراً. فإذا الحال غير الحال ، إذ دخلت المساكن الجديدة هذه المرة (مواقد البوتجاز), ولم يعد التلاميذ يساقون كل يوم على ظهور الدواب ذهاباً على المدارس البعيدة، أو الإياب منها. هذا كله قد نجم من تعلية الخزان، الذي انتظرته أجيال تعاقبت منذ (64) عاماً. العام الذي شهد الجموع وهي تحتفل بافتتاح إكمال البناء الأساسي لسد الروصيرص، ذلك الاحتفال الذي خاطبه الزعيم الكبير إسماعيل الأزهري بتلك الكلمات الرائعة التي مجد فيها الإرادة السودانية الشامخة، شاكراً الأيدي والعقول التي انجزت هذا الصرح الكبير , والمرجو من وراء هذه التعلية لا يقتصر على هذا أو ذاك ، إنما تتوق الأنفس وتدبر العقول المختصة بالتخطيط لغد يشهد توسعاً زراعياً، تتحقق به المقولة المحفوظة (السودان سلة غذاء العالم). إنه لمن المنتظر أن تشمل الخضرة ملايين الأفدنة حيث تتيح تعلية سد الروصيرص، ذلك تماماً، ولنا أن نتصور كم من الأيدي تحتاجها هذه الفتوحات الخضراء في غد مقبل إن شاء الله. هذا إلى جانب ما يفيضه السد بعد تعليته من مياه على المشاريع القائمة، وأهمها مشروع الجزيرة والمناقل، الذي اشتكى مزارعوه كثيراً من قصور في الري. إن مخزون المياه التي تتكون وراء هذا السد ستصبح أيضاً عوناً لمياه التوليد الكهربائي في ذات السد أو في السدود الأخرى. ولنا أن نتصور هنا ما ينتظر الصناعة من ازدهار بفضل الوفرة الكهربائية، مما ينعكس على حياة أهلنا ، فلا تكون فاقة ولا عطالة إن شاء الله.