وكأنه أراد فحص ملاريا من النوع غير الخبيث، لم يتخوف وزير الصحة بحر إدريس أبو قردة في مد يده ليكون أول الفاحصين للإيدز إبان تدشين الحملة القومية للفحص الطوعي بقاعة الصداقة أمس الأول. بحر، الذي لم يتردّد في السابق من تسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية عندما ثارت اتهامات في حقه، لم يتردّد أمس الأول عندما طلب منه أحدهم من على منصة الحملة بأن يكون أول من يفحص ليشجع الآخرين على الفحص الطوعي لمرض الإيدز الخطير. بالطبع، لم تكشف لنا المراصد الصحفية التي التقطت بذكاء فحص الوزير للإيدز، نتيجة ذلك الفحص، ولم تسع لمتابعة نتيجته، ربما لعلمها المسبق بسلامة الوزير، فلا يمكن لشخص عادي، ناهيك عن أن يكون وزيراً أن يُقّدِم على فحص كهذا في الهواء الطلق إذا لم يكن متأكداً تمام التأكيد من أنه براءة من ذلك المرض الذي يعاني المصابون به من وصمة جائرة أن للمجتمع أن يتجاوزها ويكافح بشدة التمييز ضد مرضى الإيدز. فحص وزير الصحة للإيدز، كان يمكن أن ينتج عنه موضوع صحفي شيق يرصد مجمل العملية الفحصية النادرة، ويتوقف عند إنفعالات تقني المعمل، ورد فعل الوزير أثناء سحب الدم منه للفحص. وما إذا كان الوزير قد خضع لإرشاد نفسي يهيئه لتقبل نتيجة الفحص أياً كانت، أم تم تجاوز هذه المسألة لأسباب دستورية، وغير ذلك من المداخل الناعمة. ومثلما إن صرخات الجائعين أبلغ من ألف نظرية في وصف الجوع، فإنّ الوزير أبو قردة، قدم بفحصه الطوعي دعماً عملياً وربما كان هو الأقوى من نوعه للحملة القومية للفحص الطوعي لمرض الإيدز، فقطرات الدم التي سحبت منه، كانت أبلغ من كل الكلمات التي قيلت أو حتى يمكن أن تقال لحث الناس على الفحص الطوعي، وهو الأمر الذي يستحق عليه أبو قردة بحر من التقدير والإحترام. غير أن التقدير والاحترام الحقيقيين يستحقهما الرجل ليس لفحصه للإيدز فقط، وإنما لأدائه الملفت في وزارة الصحة، فمنذ أن جاء إلى هذه الوزارة الموسومة بالصراعات محمولاً على اتفاقية الدوحة، استطاع وضع بصمته بوضوح والعمل بجدٍ فوق المعدل لحلحلة الكثير من المشاكل الصحية المزمنة والطارئة في البلاد، ولا يزال. حتى أضحى في مقدمة الوزراء الذين يُشار إليهم بأصابع الرضاء والإستحسان. فحص وزير الصحة للإيدز، يطرح تساؤلاً مهماً حول فحص وزراء ومسؤولين آخرين في البلاد لما هو دون الإيدز من أمراض. فكبار المسؤولين يخضعون في أغلب دول العالم لفحص طبي كامل يطمئن على لياقتهم الصحية والسياسية لتصريف أمور البلاد، بينما لا يبادر الوزراء والمسؤولون في السودان إلى فئة قليلة منهم لعمل فحص دوري قد يكون مطلوباً، بل ضرورياً لمواصلة مسيرة عملهم. من الآخر، الفحص المبكر سواء أكان للإيدز أو أي مرض آخر، يُمكِن من محاصرة المرض في أطواره الأولى، والحيلولة دون تفشيه، وربما معالجته تماماً إذا لم يكن المرض (إيدز). ولذلك لابد من إجراء فحص دوري للسياسيين في البلاد، سواء أكانوا حكومة أو معارضة، نطمئن فيه على حسن قيادتهم لأمور البلاد، وإذا كان الذي يريد رخصة لقيادة سيارة خاصة يطالب بفحص طبي، فلماذا لا يطالب من يريدون ان يقودوا وزارة أو حكومة أو معارضة بشهادة طبية تؤكد صلاحيتهم لأداء الأدوار المنتظرة منهم.