انتهت المهلة الممنوحة لإنهاء أزمة أبيي ولم تنته الأزمة. فالطرفان لم يتوصلا الى تفاهمات حول القضية ، إذ تميل جوبا الى حسم القضية بخيار الاستفتاء، وهو الخيار الذى تقدمت به الوساطة الافريقية رفيعة المستوى برئاسة ثامبو امبيكى كمقترح لحل المشكل ، بينما الخرطوم ترفض هذا المقترح لجهة ان الوقت الذى تم تحديده لإجراء الاستفتاء غير مناسب. ففى ذلك التوقيت سيكون وجود المسيرية ضعيف بالمنطقة نسبة للظروف الطبيعية وتزامن هجرة المسيرية من المنطقة، لذا فان نتيجة الاستفتاء ستكون غير متكافئة لعدم تكافؤ وجود قبيلتي المسيرية ودينكا نقوك . (1) وفيما يبدو أن الوساطة الإفريقية التى عادة ما تنحاز الى (مصلحة) الجنوب, اختارت هذا التوقيت بعناية حتى تأتى نتيجة الاستفتاء متوافقة مع رغبات حكومة الجنوب، وهى تسعى حثيثا الى ضم المنطقة الى دولتها، ويتوقع ان تضغط الآلية الافريقية على المفاوضين (بدولة السودان) خلال قمة الاتحاد الافريقى المزمع عقدها فى يناير المقبل للتنازل عن المقترح الذى تقدم به السودان لحل أزمة ابيي، الممثل فى تقسيم المنطقة بين الشمال والجنوب بحسب حدود1956 وهو المقترح الذى رفضته دولة الجنوب، وهى تعلم ان هذا الخيار سيفقدها الجرء الغني بالبترول الذى يقع فى الشمال ، وبالطبع ان ذلك لا يتوافق مع رغباتها وهى تسعى لاحتلال جل المناطق الزاخرة بالبترول، وان كانت خارج خارطتها المعروفة . (2) الشاهد فى ذلك ان دولة الجنوب سعت لان تكون منطقه هجليج (الغنية بالنفط) داخل أراضيها، حينما تقدمت بخريطة خلال المفاوضات تشير الى ان هجليج جزء من دولة الجنوب. وطالبت حكومة الشمال الاعتراف بها ولكن الخرطوم رفضت ذلك (بشدة) وقطعت الطريق أمام جوبا لتمرير خطتها، ولكنها عادت بذات الخطة (ببوابة) اخرى ووضعت منطقة ابيي ضمن المناطق المتنازع عليها ، بينما المناطق المتنازع عليها معروفة لدى الطرفين، ووقعت دولة الجنوب (نفسها) على الوثيقة التى تقر وتثبت ذلك ولم تكن منطقة ابيي بينها ، أما ضم هجليج فقد كانت بالخطة التى تنفذ للتمدد شمالا على مناطق البترول، وذلك بسبب ترك ملف الحدود دون حسم قبل انفصال الجنوب الامر الذى فتح المجال واسعا للمراوغة التى تمارسها حكومة الجنوب الآن ودفع ثمنها الشمال غالياً. (3) مازالت هذه القضية (الحدود) تراوح مكانها، بل هى الآن تمثل العقبة الكؤود امام التوصل الى اتفاق بين دولتي السودان والجنوب, وما تم التوصل اليه من اتفاق لم يتنزل الى واقع عملي، على الرغم من ان اتفاق التعاون المشترك الموقع بأديس أبابا بين الطرفين مر عليه أكثر من شهرين, وفى نظري أنها ستظل عقبة كبيرة امام تعنت كل طرف بما يرى انه الأحق. فدولة الجنوب التى ترى صعوبة تنفيذ الملف الامني اولا قبل ملف النفط، ترى دولة السودان انه من المهم ان تنفذ الترتيبات الأمنية حتى يسهل تمرير البترول ،وفى الوقت الذى اقر فيه سلفا كير رئيس حكومة الجنوب بصعوبة نزع السلاح من المتمردين الذين يهددون الامن والسلم بدولة السودان، و قال انها مهمة مستحيلة، تعتزم جوبا تقديم شكوى ضد السودان الى الاممالمتحدة عبر الاتحاد الافريقي تتهمه بعدم الرغبة فى الانسحاب الكامل من الحدود، وانه ادرج مطالبات لم تكن موجودة بالاتفاق حول وقف دعم قطاع الشمال وفك الارتباط معه، ما يشير الى مراوغة جوبا واستخدام سياسة الكيل بمكيالين تجاه التعاطي مع الملفات العالقة على الرغم من ان هذه القضايا (فك الارتباط ) مدرجة بالاتفاق، بدليل ان سلفا كير قال انها مهمة صعبة. (4) لذا فمن المتوقع ان المفاوضات لن تسفر عن نتائج مبشرة بشأن قضية الحدود وأزمة ابيي على وجه الخصوص، حتى ان تمت القمة بين الرئيسين (البشير _سلفا كير) المقترح عقدها فى يناير القادم طالما ان جوبا تمارس سياسة رمتني بدائها وانسلت. فهى التى تعرقل الاتفاقات وتتلكأ فى تنفيذها، بينما تتهم الخرطوم بالتباطؤ وعدم الرغبة فى تنفيذ الاتفاق . فالجهود التى بذلاها(الرئيسان) لأجل تسريع خطوات انفاذ اتفاق التعاون المشترك فى القمة السابقة ما زالت تراوح مكانها ، لان حكومة الجنوب لا ترغب فى حسم هذا الملف حتى تحصل على المزيد من المكاسب خاصة فى اتجاه التمدد أكثر وأكثر على المناطق الشمالية، الامر الذى ترفضه حكومة الشمال التى عاهدت شعبها ان لا تفريط فى شبر من أراضيها للجنوب . فى ظني ان المساعي التى قامت بها الدبلوماسية السودانية عبر جولاتها المكوكية لبعض الدول لأجل تثبيت حق السودان (التاريخي) لوجود منطقة ابيي داخل الاراضي السودانية, ستسفر عن نتائج جيدة, ويتوقع ان تجهض كل المحاولات والمساعي (الجنوبية) لضم المنطقة الى أراضيها وإبطال مفعول الترويج للخريطة التى اعدتها حكومة الجنوب (بدهاء) تشير فيها الى (جنوبية) أبيي ، فى اعتقادي ان الدبلوماسية السودانية ستنجح كما نجحت فى قضايا كثيرة استهدفت سيادة السودان وكرامته ، خاصة وان السودان يمتلك نواصي (القوة) بعد ان وفق اوضاعه الاقتصادية ولم يعد فى حاجة (ماسة) لبترول الجنوب، هذا بجانب ان قرار محاولة احالة قضية ابيي الى مجلس الامن قد اُفشل بانحياز الصين وروسيا الى موقف السودان حول هذه القضية. (5) اتوقع ان تجد الجهود الشعبية التى يتبناها ابناء منطقة ابيي (المسيرية) الذين اعلنوا رفضهم المساس بأراضيهم سواء عبر خريطة الجنوب التى ضمت منطقة ابيي لها، او عبر مقترح إجراء استفتاء بالمنطقة, ان تجد(الجهود) نجاحا كبيرا فى اجهاض مخططات الجنوب ومن يساندونهم ، الرفض الشعبي هذا سيقلل من نجاح مقترح الوساطة الافريقية, فمؤسسات المجتمع الدولي تخشى الغضب الشعبي، لذا فإنها تتحاشى أن تساند أي قرار لا يقبله الشعب فى أية دولة ، لذا من الأوفق أن تكون المساندة الشعبية بحجم قضية أبيي التى تراهن عليها حكومة الجنوب لسلبها عنوة،وأن تسير المزيد من التظاهرات الغاضبة تندد بقرار مجلس السلم والأمن الإفريقي الذى ساند مقترح امبيكي، الذى يسلب حق المسيرية فى أبيي . على الجميع أن يعملوا على التأكيد على مقترح تقسيم المنطقة.. على الرغم من أبيي شمالية (مية فى المية) كما أقرت ذلك خريطة حدود 1956.