( يا يمة بختي الخايب الما بقيت نايب ،أقبض المية وكلو يوم غايب)،هذه هي أمنية شاب في سالف العهود عندما كانت الجمعية التأسيسية أملا يرتجى من كل طامح إلى رفعة الذات وبريق السلطة والمجد والحصول على التقدير الرسمي والشعبي وقبل ذاك قبض مبلغ المائة جنيه راتب شهري كان غايةً في الضخامة في حسابات السلك الوظيفي والمخصصات العليا يومئذٍ،فقد ندب الفتى حظه لأنه لم يحالفه في أن يصبح نائبا عن الشعب ،وليس المغنم كما يبدو من المبلغ فقط إنما في جملة ( وكل يوم غايب ) في إشارة إلى عدم الالتزام بالحضور وسهولة أعباء تلك المهمة ،ومع ذلك لم تكن تلك المرتبة يسيرة يومها ،فقد كانت المقاعد قليلة العدد في البرلمان وقتئذ تزخر بحجوزات ثابتة لرموز أهلية ومجتمعية فضلا عن أولئك السادة أبناء السادة الذين تهاجر ليس أجسادهم أو أرواحهم إلى الدوائر الانتخابية أيام الانتخابات ،إنما تهاجر فقط أسماؤهم وأي موفد يقول للناخبين هناك إن السيد .....يقرئكم السلام ويقول لكم إنه سوف يترشح مجددا هذا العام في دائرتكم ويرجو إبلاغ الرسالة لكل الأحباب والمريدين ،أما اليوم في عهد الإنقاذ وبعد التوسعة الكبيرة للبرلمان والبرلمانات الولائية بل بعد تحرير المناصب النوعية من السيطرة النخبوية السابقة فقد أصبح الحصول على مقعد برلماني أمرا متاحا لكل من قبل به حزبه مرشحا عنه لدرجة سخر فيها أحدهم عندما انتظر لساعات في زحام أزمة مواصلات الخرطوم فلم يجد بداً من الوقوف (شماعة ) سخر بقوله : (يبدو أن الحصول على مقعد بالبرلمان أيسر من الحصول على مقعد في بص أو حافلة ) ،لقد شكا أحد الإخوة النواب _نواب الشعب_ في صحف الأمس من ضيق ذات يد النواب ومحدودية مخصصاتهم الرسمية في مقابلة مطلوبات الحياة ومسئولية الموقع بل وحذر مما أسماه (تسول المسئولين ) لدى الوزراء ،نحن نربأ بهذا الوصف من أن يكون ملتصقا بنواب الشعب الذين نأمل أن تتعمق صلتهم بالشعب لا بالوزراء والتنفيذيين رغبة في تقديم ممارسة تشريعية ورقابية راشدة لا ينسون فيها يوما أنهم ينوبون عن الشعب كل الشعب وليس مجرد شعب دوائرهم التي جاؤوا منها ،فأنا أعرف الكثيرين الذين يهتمون اهتماما فائقا بدوائرهم وخدمة قضاياها المحلية لكنهم لا يهتمون كثيرا بالقضايا الكلية التي حتما ستتأثر بها دوائرهم ومواطنوها . وقد سبق وأن أشارت بعض الصحف قبل نحو أسبوعين إلى أن نحوا من خمسة وسبعين نائبا برلمانيا يعانون من تأخر في سداد أقساط سياراتهم التي ملكت لهم بالتقسيط ،وأن جل هؤلاء مهدد بالسجن بسبب ارتداد شيكاتهم التي دفعوا بها إلى شركات السيارات.وقد شكا الكثيرون منهم من مماطلة وزارة المالية في زيادة مخصصاتهم ،فإلى أي جانب يقف الشعب في هذه المعركة؟ ،هل يسند النواب الذين جاء بهم لتمثيله أم يقف إلى جانب آخر ليس جانب وزارة المالية بقدر ما هو جانب معاناة النواب حتى يحسوا بالضائقة الاقتصادية ويعانوا جزءا ضئيلا مما يعانيه الشعب ليصبحوا بالفعل نوابا عنه ، عينة منه قطعة من جسده تألم مثلما يألم وتفلس مثلما يفلس وتعجز ميزانياته مثلما تعجز ميزانية معظم أفراد الشعب ؟ كيف يشتكي السادة النواب من ضيق اليد وتأخر سدادهم لأقساط السيارات وهم الذين يهللون لتمرير فرض ضريبة على السيارات العامة ومركبات النقل والمواصلات مما يفاقم أزمة المواصلات القائمة أصلا أو يضيف زيادة للتعرفة وأسعار السلع بالولايات لارتفاع تكلفة النقل ،وبالتالي سيعانون إما من زيادة أعباء سياراتهم أو تكلفة المواصلات وصعوبتها إن قرروا التخلص من سياراتهم عجزا عن السداد ،وفي الحالتين سينعكس أي أثر سالب لتلك الضريبة على معايش أسرهم وستزيد خسائرهم . حاشية: نعلم تماما الأعباء الكبيرة التي تقع على عاتق نواب البرلمان من أهلهم وذويهم ومواطني دوائرهم ،لكن تلك تبعات الزعامة ،وهل يمكن أن يدفع الشعب المسكين لهؤلاء السادة النواب تكلفة زعامتهم على القاعدة الماركسية المختلة (من كلٍ حسب قدراته إلى كلٍ حسب احتياجه ) !! لا بالطبع فعلى الذي يشتري الزعامة أن يعد مركزه المالي لها ،سيما وأن النواب (يوم حاضر ويوم غايب ) بطبيعة جلساته غير اليومية (وثلاثة شهور إجازة رسمية) ،لكن بالمقابل ولمزيد من الحرص على استقلالية السلطة التشريعية ينبغي ألا تكون وزارة المالية ذات الصبغة التنفيذية طرفا في تحديد مخصصات النائب وأن تحول هذه الصلاحية إلى طرف أكثر استقلالية مثل مفوضية الانتخابات التي تصدر خطاب (اعتماد ) النائب البرلماني بعد فوزه لتصبح تلك المقترحات غير خاضعة لا للتنفيذيين ولا للمجلس الذي بيده قلم التشريعات في قوانين المخصصات. وجمعة مباركة