ü لابد أن قراء آخر لحظة و«الإضاءات» قد وقفوا بالأمس على ما أوردناه على لسان رئيس لجنة الأمن والدفاع بالمجلس الوطني، الأستاذ محمد الحسن الأمين، حول البرلمان وما يعانيه من ضعف في الأداء، وفي دوره الرقابي على وجه الخصوص، وللتذكير فقط نعيد بعض ما قاله الأمين في حديثه لجريدة «الصحافة»: إن البرلمان مكون من المؤتمر الوطني في معظمه والحكومة كذلك، والوطني هو حزب يحاسب عضويته، والمثلث هذا يكون أفضل إذا كان في السودان نظام الحزبين المتنافسين، لكن الآن في وجود الوطني «يبقى إننا ملتزمون بقرار الحزب» صحيح تتم محاسبة، لكن الأفضل أن ترفع «عبر الحزب وليس عبر البرلمان» حتى لا تسبب خللاً في ثقة الحكومة، ويضيف رئيس لجنة الأمن والدفاع رداً على سؤال الصحيفة: هذه العلاقة تضعفهُ طبعاً، لأن برلمان الحزب الواحد دائماً ليس قوياً.. وهذا البرلمان ليس مثل البرلمان المكون من حزبين أو فيه حزب يعارض معارضة قوية ويسعى إلى تولي السلطة عبر ديمقراطية. ü ما جعلني أعبر النيل غرباً اليوم إلى حيث مقر البرلمان، وأعود مجدداً لإفادات رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن والدفاع فيه، هو تقرير نشرته الغراء «السوداني» أمس كتبه الصديق «ماهر أبو جوخ» حول ما يدور في المجلس الوطني من ضغوط ومطالبات تشبه إلى حد كبير ما تفعله نقابات العمال والموظفين عندما يبلغ عندها السيل الزبى و«يفيض بها» لتهدد بالتوقف عن العمل- «الإضراب»- أو الإبطاء أو تطالب بإقالة مدير المؤسسة أو رئيس مجلس الإدارة، بهدف رفع الظلم الواقع عليها جراء استغلال المؤسسة أو الشركة أو حتى الحكومة لجهدها وعرقها وامتصاص فائض قيمة الإنتاج من دون توفير العائد المجزي للأيدي العاملة أو المنتجة. ü فبالأمس، وجدنا أنفسنا فجأة أمام مشهد جديد شديد المفارقة، إذ تحول «السادة النواب» في «برلمان الحزب الواحد»- والوصف للسيد محمد الحسن الأمين- تحولوا- بقدرة قادر- من برلمانيين يدافعون عن حقوق الأمة وينافحون من أجلها إلى «نقابة».. ترفع «مطالبها الفئوية» وتهدد بإقالة رئيس «المؤسسة»- عفواً المجلس الوطني- أحمد إبراهيم الطاهر لأنه رفض مطلبهم بزيادة الرواتب بواقع (500.2) جنيه للنائب.. وهم ذات النواب الذين أقروا ما عُرف بسياسة «التقشف» التي ابتدرها الرئيس، وعززها أمامهم وبموافقتهم وزير المالية بتعديلاته المعروفة على الميزانية. ü نسي هؤلاء «النواب المحترمون» أنهم ليسوا «موظفين» أو «عمالاً» لدى الدولة، إنما هم - وهذا «هو المفروض»- على قول زميلنا الكاتب محجوب فضل بدري- ممثلين للشعب حتى لو من قبيل الاعتقاد أو الوهم، وأن مهمتهم هي مراقبة الجهاز التنفيذي وأداءه ومحاصرة الفساد وتوجيه المال العام لخدمة أولويات الأمة، وليس تعظيم مكاسبهم. ü نسي هؤلاء «النواب المحترمون» أنهم ليسوا موظفين أو عمالاً من واجبهم التفرغ لوظائفهم وورشهم، المضبوطة بمواعيد الدوام، ومنهم التاجر أو رجل الأعمال أو المحامي أو الاستشاري المهني أو ناظر القبيلة، وبإمكانهم زيادة دخولهم عبر أعمالهم الخاصة، وأن «النيابة» توفر لبعضهم «مداخل كثيرة» - ما أنزل الله بها من سلطان- لتعظيم هذه الزيادة عملاً بقول المثل: «زيادة الخير خيرين»! ü وأخيراً، نسي هؤلاء النواب أنهم لا يفعلون شيئاً أكثر من «الحضور الشكلي» أو المادي - صحواً أو نوماً لا فرق - على مقاعد البرلمان الوثيرة وفي قاعاته المكيفة، ليرفعوا أصواتهم ب«نعم» غالباً أو بتفضل بعضهم بإلقاء كلمات الثناء والإشادة تمهيداً لإجازة قرارات الحكومة أو إفادات بعض الوزراء المبررة «للأخطاء الكبيرة»، مثلما نسوا أنهم يمثلون الحزب الحاكم، وهو من رشحهم وأتى بهم نواباً، وهو من يملك «إقالتهم» - بقوة القانون - وأنهم لا يملكون من أمرهم شيئاً، فهم مدعوون فقط، لأن لا يسببوا«خللاً في ثقة الحكومة» على قول محمد حسن الأمين «المحامي» ورئيس أهم لجان المجلس الوطني، وكان حرياً بهم أن يستشيروه ليفهموا بالضبط موقع «مطالبهم الفئوية» من الإعراب قبل رفع الأصوات بالاحتجاج والتهديد!