اطلعت يوم الاثنين «22/9/2008م» على كلمة بالسوداني ص «12» بعنوان: «دين العرب» بعامود حديث المدينة لكاتبه الاستاذ عثمان ميرغني. بدأها بقوله: «كتب قير تور بعاموده بالسوداني عن كواليس ردود الفعل لإشهار إسلامه، بدائرة الأسرة، والعائلة، والأصدقاء، والمعارف، دائرة بعد دائرة كالحجر في الماء الراكد» لفت نظري «الحديث لعثمان» قول أحد أصدقائه: «يعني دخلت دين العرب» أ.ه ما قال بإختصار. وبعد: لفتت نظري كلمة «دين العرب»، كما لفت نظر عثمان الى حد ان جعل منها عنواناً لموضوع عمود اليوم. لفتت نظري لسابق صلتي الوثيقة بها. فقد سبق لي أن كتبت مقالاً ضافياً ب«الرأي العام» بتاريخ «23/12/2007م» بعنوان: «شول، وماجوك، ودينق ينطقون الضاد كالمسيرية، لماذا؟» دار حول مظاهر الثقافة العربية (Culture) في الجنوب عامة. والدينكا، والنوير، والشلك خاصة، المتمثلة في اللغة «نطق الضاد» والدين «الإيمان بوحدانية الله واليوم الآخر» والعادات «زواج زوجة الأب» والقامة والهامة «دقة الجسم في غير هزال. وارتفاع الأنف» لهم المقام منها مظهر اللغة. تتميز اللغة العربية. ولا أقول تمتاز بنطق الضاد لذا عرفت بلغة الضاد، كما تتميز بتقديم الموصوف على الصفة «البيت الأبيض» وبتقديم المضاف على المضاف اليه «تور دينق» وبالمثل لغة الدينكا والنوير والشلك. بينما الإنجليزية تعكس الوضع فتقول «الأبيض البيت» و«دينق تور». وتقول «ألى» في على. ولا تعليل لهذا التطابق بين العربية ولغات الدينكا، والنوير، والشلك. سوى أن جهاز نطقهم عربي بجينات الوراثة العربية. ىؤكد هذا أن أي جنوبي إذا خطب تلكم العربية بطلاقة مثال الدكتور لام اكول والدكتور. بيتا بطرس ، وأي انجليزي أو غير إنجليزي يتحدث بلسان معقود تظهر فيه لكنة العجمة والهجنة. وعلى هذا قول صديق قبر تور «دخلت دين العرب» تنقصه الدقة بين الصحة. لأن قبر تور ينطق العربية بكل مخارج حروفها حتى الضاد الخاص بها. والإنجليزي يتحدث العربية بالتعليم لا بالسليقة ك: شول، وماجوك، ودنيق . لذا دينق ينطق العربية والإنجليزي يتحدث. عربي بأصله، فلا مكان لكلمة دخل. المكان لكلمة «عرف نفسه» بعد وهم بل توهم بل إيهام. وحتى لو قلنا فرضاً انه ليس بعربي بالدم فهو عربي باللسان بنص الحديث الشريف «ليست العربية بأب أحد منكم أو أم، وإنما هي اللسان» المعنى كل من تحدث بالعربية فهو عربي. وأن الجنسية باللسان لا بالمكان كما هي الحال الآن. وغاية القول رفع الالتباس وتصحيح الفهم. بعيداً عن أهواء السياسة، وإيقاع الأعداء بين الأشقاء.. لا التبشير بالاسلام أو العروبة. هذا ما كان عن كلمة «عرب» في قوله «دين العرب»: أما كلمة «دين» فالأمر فيها أهون بكثير من كلمة عرب. آنفة المعالجة. وبيان هذا: قبل ان تصل البشرية النضج العقلي لا البدني كانت الرسل ترسل الى قومهم، كما كانت المعجزات حسب ناقة، عصا، مائدة كالطفل ما وجد شيئاً إلا رفعه الى فمه ليدركه بالذوق لا بالعقل المجرد. ومما يؤكد هذا ان قوم سيدنا عيسى عليه السلام طلبوا منه مائدة من السماء، بينما أبي بن خلف يأخذ عظماً يفته في وجه النبي وسيلة إيضاح ليقول له «... من يحي العظام وهي رميم»؟؟ الإجابة: «قل يحييه الذي أنشأها أول مرة.. الآية» لاحظ قل لا قال: لأن الرسول مبلغ لا قائل. المنطق هنا أن الإحياء بعد العدم أهون من الأحياء من لا شيء. لذا قال تعالى: «وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده هو أهون عليه» «72 الروم». فلما بلغت البشرية مرحلة النضج العقلي كانت معجزة خاتم الرسل عقلية. وهي القرآن الكريم ليبقى الإعجاز أبد الدهر. بخلاف الإعجاز الحسي الذاهب بذهاب المشاهدين له. وكانت ذروة النضج عند العرب. لذا نزل القرآن بلسان عربي مبين. فالعلاقة بين العرب والاسلام علاقة تكامل لا تفاضل كالجسم والروح، فلولا العرب لما كان الاسلام ولولا الإسلام لما كان العرب. فلو أنزل القرآن على الروم أو الفرس لما نجح الاسلام، لأن الروم والفرس كانوا بذروة الحضارة. لكن لم يكونوا بذروة الذكاء والنضج. ألم ينزل القرآن الكريم على رأي سيدنا عمر في أسرى بدر؟ باللغة فهموا القرآن الكريم وبالذكاء استوعبوا فلسفة الإسلام ومسؤولية نشره. اضف لهذا كانت الروم والفرس لا يتحدثون العربية ومن ثم لن يفقهوا معناه دعك من نشره. انتشر الاسلام بفتح فارس والروم والأندلس والهند والسند. وبانتشاره انتهت مهمة العرب لأن الإسلام لم يكن للعرب بخاصة ولكن للناس عامة. وقد توقفت خدمة العرب للإسلام بذهاب الدولة الأموية. لذا كان كل من أتى بعدها كان من غير العرب «عدا الدولة الحمدانية بحلب بالشام» والدولة الفزنوية بأفغانستان، والسلاجقة بالشام الذين ردوا الى الإسلام عافيته أثابهم الله. وفي مصر كان أحمد بن طولون، والإخشيد. وصلاح الدين الكردي، والمماليك الذين احسنوا البلاء في خدمة الاسلام. وآل عثمان بتركيا وفي السودان ممالك البجا بشرق السودان. والفور بالغرب، والإمام المهدي دنقلاوي. وكل دول غرب افريقيا من تشاد الى غانا. والآن عدد المسلمين في العالم فوق المليار نسمة بكثير وعدد العرب المسلمين فيهم لا يتجاوز «20%» في أكثر تقدير. فكيف يكون الاسلام دين العرب؟! هذا قول لا يستقيم عقلاً دافعه التعصب والتحامل على الإسلام والعرب لا غير. هداكم الله. وهدى كل ضال. بقى أن أقول: ليس في يد المسلمين والاسلام اليوم ما يغري بتحقيق التطلعات الذائبة كما هي الحال بالمسيحية. ولكن فيه المنطق والحقائق العلمية والكونية التي تقنع العقل وتريح النفس، فيسلم غير المسلم بقناعة مثال كان ورش قبطياً أكرمه الله بالاسلام، أسس رواية ورش المشهورة فخلد اسمه. وحديثا رجاء جارودي فرنسي كان مسيحياً فشيوعياً ملحداً أسلم بقناعة وأحدث منه الأخ قير تور موضوع هذا المقال. أطال الله عمرهما بعافية وعمق. إن الأزمة في أوروبا تتمثل في أن إنسان أوروبا يتمتع بعقل علمي مفتوح. والدين لا يجيب على أسئلته. فيلحد أو يسلم طريقان لا ثالث لهما. أذكر أن عالم بحار فرنسي أسلم لقوله تعالى: «مرج البحرين يلتقيان بينما برزخ لا يبغيان» وآخر إنجليزي لقوله تعالى: «ثم كسونا العظام لحماً»، لاتفاق هذا وذاك مع ما توصل اليه العلم حديثاً. وآخر كفر بدينه عندما وجد عمر العالم يتجاوز ملايين السنين. والإله بدينه يذبح ويؤكل قبل أن يبلغ عمره بضع سنين؟! وآخر قولي: أرجو ان تكون علاقة العرب بالاسلام، الجنوب بعامة. والدينكا والنوير والشلك بخاصة قد وضحت تماماً. لا لأدعو الى الاسلام، ولكن لتصحيح الفهم لا غير. اللهم أهدي الضالين.. آمين.