بدءاً أقول: بدأ لي أن يكون عنوان هذا المقال (مين بسمع ومين يقرأ؟!) وهو مأخوذ من أسطورة سودانية تقول: رأى ثعلب ديكاً على شجرة، فقال له: إن السلطان أصدر أمراً بوقف العداء بين الثعلب والدجاج، والفأر والقط، والذئب والخراف. فأنزل لنتبادل الأنس. في هذه اللحظة ظهر كلب فهرب الثعلب. فصاح به الديك: إقرأ له الأمر السلطاني. فقال الثعلب: (الآن مين بسمع ومين يقرأ؟!). فأصبح قوله مثلاً يضرب عندما يتغلب الواقع على الحق والقانون والخير. وأبدأ أن يكون: (الميدوب يتحدثون الألمانية، والإنجليز الدنقلاوية، والجزائريونالحلفاوية). ثم عدلت الى هذا العنوان الماثل (حفريات لغوية...) آمل أن يكون أمثل الثلاث، وبعد. قرأت بجريدة (الصحافة) بالخرطوم بتاريخ الأثنين 9/5/2011م ص 16 الأخيرة بعمود ب / المنطق الراتب لكاتبه صلاح الدين عووضة عويس. قبل أن ينتقل بذات عموده الى جريدة (أجراس الحرية)، قرأت كلمة بعنوان (بل هم ألمان...!!!) علامات التعجب والنقاط من النص. بقلم د/ أحمد الشريف (طبيب بالخرطوم). جاء فيها: (السيد والسن عالم ألماني متخصص في الأجناس واللهجات الألمانية القديمة. ذهب الى قبيلة الميدوب بالسودان وبقى معهم شهوراً يتكلم معهم فلا يفهمونه. وهو يفهمهم إذا تكلموا معه. لأنهم يتحدثون لغة ألمانية قديمة) أ.ه مكان الشاهد من قوله في الكلمة. إليه أضيف: كتب دكتور حسن عوض ساتي طبيب أيضاً إلا أنه دنقلاوي قح من جزيرة لبب أو الأشراف والمعنى واحد. منها كان الإمام المهدي. كتب مقالاً بعنوان (المشترك بين الإنجليزية والدنقلاوية) بجريدة الرأي العام بالخرطوم عام 2001م بالتقريب. يعني بالإنجليزية إنجليزية شكسبير (ت 1616م) القديمة. لا إنجليزية اليوم الحديثة. ذكر بمقاله كلمات كثيرة مشتركة. نذكر منها للتوضيح لا الحصر كلمة (آسِّى) في اللغتين. المعنى الماء. وكلمة (جانبو) المعنى الفأس الكبيرة. ومنها كان إسم جامبو لطائرة الجامبو الكبيرة. وقبل السيد والسن ودكتور حسن كتبت أنا عدة مقالات تحت عنوان (حفريات لغوية) أوضحت فيها أن أهل الجزائر يتكلمون لغة السكوت أو الحلفاوية والمعنى واحد لا لغة المحس ولا الدناقلة المختلفتا عنها تماماً. مثال السكوت يقولون للماء (أمنق، والدناقلة يقولون (آسِّى). وقد لاحظ هذا التطابق قبلي الجنود الجزائريون المشاركون بحرب 1967م بالسويس. وأكده لي حلفاوي كان يعمل بالسفارة السودانية بالجزائر العاصمة عام 1984م بقوله إنه يفهم معظم كلام البربر (يعني الجزائريين) بالسوق والشارع. أضف لهذا في باريس إستمع أحد أبناء مالي المجاورة للجزائر الى أغنية لوردي بلغة السكوت مسجلة بشريط كاسيت. فقال لصاحبه: أنا أفهم كل ما جاء بهذه الأغنية. فطلب السوداني لدهشته ولجهله بالحلفاوية أن يترجم ما فهم الى الفرنسية، فترجم فعرضها على أبناء حلفا. فقالوا: الترجمة صحيحة 100% ودهشوا كما دهش. وتساءلوا: من أين لهم هذا؟؟!!. وأهم مما كتبت نقلاً عن غيري كانت كتابتي لعدة مقالات بجريدة (الرائد) بعهد دكتور ياسر محجوب الحسين رئيس تحريرها الآنف. أوضحت فيها أن أصول الدينكا، والنوير، والشلك عربية (أقول هذا ونحن عن السياسة بمنأى) بدليل أنهم ينطقون حرف الضاد المتفردة بها اللغة العربية. وقد عرفت بلغة الضاد لهذا التفرد. وأنهم يقدمون الموصوف على الصفة، والمضاف على المضاف إليه. وقد ذكر لي ثلاثتهم عدة أمثلة لا أتذكرها الآن. ولقارئي الكريم أن يسأل إن وجد واحداً من ثلاثة القبائل هذه بالدنيا الجديدة (أمريكا) والقديمة (أوربة). واللغة الإنجليزية وغيرها حتى الحلفاوية تعكس الوضع بتقديم الصفة على الموصوف، مثال: )White House) والمضاف إليه على المضاف، مثال .(Your House) و( Football) وأهم من هذين اللغة المشتركة لكل قبائل الجنوب البالغ عددها 55 قبيلة هي عربي جوبا. وهم في هذا كاللغة الفرنسية والإيطالية والبرتغالية ذات الأصل اللاتيني مع الفارق هو أن صلتهم باللغة اللاتينية قد إنقطعت، وأن صلتهم بالعربية لم تنقطع رغم إنقسامهم الى 55 لغة واللاتينية الى ثلاث لغات فقط. بقى أن أقول: إن الحفريات اللغوية والبشرية كحفريات الآثار التأريخية، دليل قاطع على وجود الصلات الإجتماعية ولا فارق إلا أن الأثار مادية واللغوية معنوية. كم يكون مفيداً أن تكون هنالك دراسات جادة توضح العلاقات التاريخية التي جعلت قبيلة الميدوب تتحدث الألمانية القديمة. والجزائر ومالي الحلفاوية. والإنجليز الدنقلاوية. فهل الألمان أصلهم من الميدوب؟! إحتمال على بعده لا يستبعد في مجال الفروض العلمية حتى يثبت البحث نفيه. وجعلت الدينكا، والنوير، والشلك لسانهم يماثل اللغة العربية بنطق الضاد وبناء الجملة كالعرب. بل أنوفهم مستقيمة لافطساء كالزنوج. قلت وكتبت كل هذا ولكن (مين بسمع ومين بقرأ؟!) في العالم الثالث. وعزائي وعزاء أمثالي (زامر الحي لا يطرب) كما قالت العرب قديما. وحديثاً كما قال أحمد فارس الشدياق عن مصر: (ومن صفاتها أن الحمار يستأسد بشرط أن يكون مجلوبًا من بلاد بعيدة). وإلا كيف تعلل ما قاله الألماني عن الميدوب رغم البعد. وجوبا من الخرطوم مرمى حجر؟!. لا تعليل سوى إنشغال السودانيين بفارغ السياسة ومقدوها. وبالزبد عما ينفع الناس، ويمكث في الأرض. اللهم أهدِ كل ضالٍ. وعلى الأرض السلام. آمين.