أطوار حمله ككل الأحمال كانت ثلاثة، طور تركي، وطور تركي أوروبي، وطور بريطاني، لذلك فإنّ البعض يظن أنّ أمّه تزوجت من اثنين تركي وبريطاني... وبعض غير المدققين يقولون إنّ والدته تزوجت ثلاثة، تركي وبريطاني مضافٌ عليهما مصري استناداً على أن الزوج الثانى أسمى نفسه الحكم الثنائي، لكنّ ذلك لم يكن دقيقاً فالوالدة لا يمكن أنْ تتزوج من اثنين في ذات الوقت! وعندما وُلِدَ الطفل رعته في نشأته الأولى النخبة الوطنية (جيل الاستقلال)، الذين رضعوا من ثديين في وقت واحد: ثدي الليبرالية وثدي الطائفيّة.. ثمّ أكملَ الرعاية مع جيل الاستقلال الأوّل جيل الجيش الأوّل.. لذلك فإنّ نشأته الأولى تَشَارَكَ فيها المدنيّون والعسكريّون! نشأته الثانية كانت طوراً من المراهقة السياسيّة، وفيها تَشَارَكَ المدنيون والعسكريون بدعمِ مباشر وغير مباشر من الأيدولوجيين، هؤلاء وأولئك كانوا هم اليساريون والعروبيون والأفريقيون والإسلاميون، كل يعلو صوته حسب الموجة الدولية، مَدّاً اشتراكيّاً أو تحرّراً وطنيّاً أو قومية عربية أو شعوبيّة أفريقية أو صحوة إسلاميّة.. وعاش المراهق نشأته الثانية تحت وطأة الأيدولوجيين والشعوبيين بنكهة عسكرية تارة وبنكهة مدنيّة تارة أُخرى، لكنّها نشأة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب الوطني! إذا قيست نشأة الرجل بالشعب فإنّ هذا الشعب الذي كان يوصف بأنه شعب سياسي صار شعباً يبحث عن العيش والمعاش.. وإذا قيس الرجل بنخبته فالفجوة بين النخبة والعامة صائرة كل يوم إلى اتساع.. وإذا قيست بالمشاركة السياسية فإنّها آخذة في التحوّل من مشاركة سياسيّة من أجل وطن إلى مشاركة سياسيّة لأجل قبيلة! وإذا قيست حالة الرجل بعهود الحكم فإن آخرها هو أطولها عمراً بل يراهن على الخلود.. ولكنْ يُحسب للعهد الأخير أنّ أيامه كشفت الحقائق عن الرجل، حتى أصبح هذا الرجل عارياً! فقد الرجل بعض أرضه وتمرّدت عليه قليل من أقاليمه، لكنّه برغم ذلك يدخل إلى النشأة الثالثة واثق الخطوة يمشى مَلَكَاً.. الرجل عمره الآن سبعة وخمسون عاماً وهو عمر يقارب الشيخوخة، ومع ذلك فهو الآن في نشأته الثالثة.. إنّه شيخٌ يُقَالٌ له السودان!!