يشرف الرئيس في عهد الإنقاذ و قبله إفطاراً رمضانياً ينظمه الأقباط كل عام , و على درجة أقل يدعو بعض الأقباط جيرانهم في بعض الأحياء لإفطار رمضاني , بل و درج بعض الاقباط على ذبح الاضحية مشاركة للمسلمين في عيدهم . و كان السيد أبيل ألير يقيم هذا الإفطار لما كان رئيساً لحكومة الإقليم الجنوبي في إقليم يعتبر المسلمون فيه أقلية . هذا السلوك من مسيحيين في الشمال حيث هم أقلية و في الجنوب حيث يشكلون الأكثرية ينبع من إحساس إنساني راقٍ , صادر بتلقائية و بلا تكلف , يقدر قيمة المشاركة و يعرف أثر التوادد و يدرك خطر التباعد و المخاشنة .. يتم كل ذلك في إطار سلوك متبادل , فقد عرف الطرفان بالفطرة السليمة أن ليس من النبل في شئ مقابلة من يلقاك باشاّ في عيدك بالعبوس و التجهم في عيده. و لذا ظل المسلمون يفرحون مع المسيحيين بعيد الميلاد مثلما يحتفل الأقباط برمضان . و لا يحس الطرفان بحاجة لتسمية هذا التداخل الاجتماعي (تسامحاً) أو أية تسمية أخرى تشكك في تلقائية المسلك .. لكن ظهر في السنوات الأخيرة من يحرمون هذه الاحتفالات , بل يدعون إلى عدم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم . فهل يمكن أن تقبل الفطرة السليمة دعوة لعدم تهنئة الجار غير المسلم , و أن يسلك المسلم هذا السلوك الفظ بدون أن يحس بالحرج تجاه جاره ؟ و لم يقف الأمر عند المخاشنة و الغلظة و الفظاظة بل تعدى ذلك إلى أن يصف مواطنون سودانيون مواطنين سودانيين آخرين ب (الكفر) في ملصقات تعمم في الشوارع على مرأى و مسمع من السلطات . و يظل المسيحي المعتد بعقيدته كاعتزاز المسلم بدينه يقرأ كل عام دعوات لعدم التشبه ب (الكفار) . و قد يصبر كثيرون متفهمين , لكن قد ينفد يوماً صبر بعضهم على هذا التحقير المستفز , و يقول أحدهم أو جماعة منهم (بل الكفار أنتم) , لتنطلق شرارة فتنة لا تبقى و لا تذر , فنار الفتنة من مستصغر شرر كلمة . لماذا لا يكون واضحاً وضوحاً جلياً أن احترام كل المعتقدات خط أحمر لا يجوز الوصول إليه بالتحقير أو التكفير , و لماذا لا يكون في سلوك السلطة ما يشي باقتران الفعل بالقول في عدم التهاون حيال أي مسلك قد يفضي إلى فتنة . فإن فعلت فهي ليست بحاجة لاحقة لحوارات مرهقة مع متطرفين , أو ملاحقة متشددين في هذه الغابة أو تلك . و ليست بحاجة للتذكير بقول المصطفى (صلى الله عليه و سلم) أن استوصوا بالقبط خيراً , و لن تذيع نصوص مبتورة يوردها في غير موضعها أنصاف علماء لشباب فقير الثقافة أن (أقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) .