(نحنا للقومية النبيلة مابندور عصبية القبيلة) كلمات في غناء وطني لا تزال تبحث عن موطئ قدم لها في زحام الحياة وتشعباتها وتعقيدات القبيلة والسياسة ،فقد أورثنا المستعمر الإنجليزي نظام حكم محلي عماده الأساس هو القبيلة أو إن شئت قل إن الحكم المحلي كان هو النظام القبلي لإدارة الدولة ،فقد كان نظام الإدارة الأهلية مستوى من مستويات الحكم ،وقسمت البلاد والمديريات إلى مربعات امتياز للإدارة الأهلية ،صحيح أن بعض أجزاء السودان كانت بها الحواكير القبلية منذ زمن بعيد مثل الذي في سلطنات دارفور القديمة ،إلا أن طبيعة الحياة البسيطة وقتها وصعوبة التواصل وبدائية سبل المواصلات كانت غير معلية من شأن الحواكير إلا في المراعي أو محاولة انتقال قبيلة بعينها للعيش في أرض قبيلة أخرى مع الإبقاء على نفوذها وسلطات إدارتها ،لكن الذي صنعه المستعمر الإنجليزي وحين اعتمد أولا في السيطرة على البلد عن طريق علماء الدين الموالين له الذين كانوا يصدرون الفتاوى في كل ما يريده المستعمر لصالح تمرير مبتغاه وتبين لهم وعي الشعب وإلمامه بأحكام الشريعة التي أكبر جرائمها موالاة من حاد الله ورسوله ،عندها كان ملجؤهم الحصين هو المزج بين السيطرة على البيوتات الدينية والصوفية من ناحية وتمكين النظام القبلي للسيطرة على القبائل عبر رجال الإدارة الأهلية الذين جعل لكل واحد منهم حدودا إدارية لجغرافيا سلطته ولديه محكمة يرأسها وقوة عسكرية من (حرس الإدارة الأهلية تحت تصرفه ) فهو يجمع السلطة التنفيذية والسياسية والقضائية ويحكم كما شاء ويربط ويحل في الناس والأمور على حد سواء تحت إمرة السيد( الخواجه ) مفتش المديرية ،والآن وبعد مضي أكثر من ثمانين عاما على صدور قانون الإدارة الأهلية في العام 1934م ،وبرغم من حلها بواسطة الرئيس الراحل جعفر النميري في السبعينيات وتغييبها لفترة طويلة ،إلا أن الطابع القبلي لا يزال مستمرا في مستوى الحكم المحلي الذي تحولت فيه الإدارة الأهلية إلى أدوار إيجابية في المحافظة على التعايش السلمي وأرست نظام الجودية وخلقت تجارب أصبحت بها مستودع حكمة وصاحبة إرث في فض النزاعات ،إلا أن الذي بقي في الأرض هو تلك الحدود القبلية التي هي ليست حدودا لملكية خاصة وإنما حدود إدارية مما يعقد كثيرا من ولاية الدولة وملكيتها للأرض ،والمؤسف أن معظم تنزيلات الحكم الفدرالي وتقصيره للظل الإداري قد وقعت في شباك تلك التقسيمات فتكاد تكون لكل قبيلة في الولايات محلية تخصها غالبية سكانها من هذه القبيلة وكذلك حكامها ،فتحولت بذلك المحاصصات بين مكونات الحكم المحلي إلى منافسات قبلية لإعلاء الشأن السياسي فأخذت القبائل تتسابق على تولية أبنائها معتمدين ووزراء مثلما كانت تتسابق القبائل الجاهلية في الإكثار من شعرائها الفحول ،كما أن حركات التمرد المسلحة استكثرت من الاستقطاب القبلي لصفوفها مما فاقم من الاصطفاف وحالة الاستقطاب القبلي ،كما لعب الأجنبي ومخابراته دورا في تأجيج وتوظيف القبائل لخدمة مصالحه. حاشية: كثرت النزاعات القبلية وأصبحت تتفاقم في كردفان ودارفور والنيل الأبيض وأجزاء متفرقة من البلاد ،وبدلا من أن تصبح المدنية مدخلا للتمازج والتصاهر وتبديد الحدود القبلية الفاصلة فللأسف استصحبنا معنا قبائلنا إلى العاصمة منا من سكن في منطقة واحدة أو كون شبكة علاقات إجتماعية لتوظيفها في التوصية والتشفع في قضاء الحاجات والوظائف.فهلا ارعوينا.