تحدثنا في مقالات سابقة أن الحزب الشيوعي والايدولوجيا التي تهديه لعلها تضله ،لا يؤمنان بالديمقراطية الليبرالية التي يزعم الحزب الشيوعي أنه يريد لها أن تسود . وقد أوضحنا من خلال الاقتباسات والإشارات إلى النصوص النظرية والى التجارب العملية مفارقة الحزب الشيوعي للديمقراطية وكفرانه بها نظرياً واجتنابه إياها عملياً في شأنه الداخلي وفي ممارسته العامة في كل محفل يكون له فيه سلطان. الحزب الشيوعي..التراجع عن الماركسية وكما قلنا إن للماركسية رؤيتها في الديمقراطية . وهي الديمقراطية الجديدة التي تتسع لطبقات يُراد لها أن تتمكن حتى تحقق ديكتاتوريتها أي سيطرتها المحكمة على كل السودان. بينما تسعى تلك الديكتاتورية الى تقييد طبقات أخرى وحرمانها من أية حقوق ديمقراطية أياً كانت لأنها رأسمالية غير وطنية أو رأسمالية طفيلية أو رجعية ظلامية أو برجوازية صغيرة عالقة في المصالح الرأسمالية. ولكن الحزب الشيوعي في وقتنا هذا ليس إلى الديمقراطية بمكان . سواء كانت ديمقراطية جديدة أو ليبرالية . وانما أصبح ساكتاً عن كل منطوق نظري ماركسي . وأما من الناحية العملية فقد خالف الماركسية مخالفات جوهرية . فمضى في الاتجاه المعاكس لنضالها فلم يبق من الماركسية لديه إلا اسم الحزب ومفردات الشيوعية الفارغة الجوفاء. والسؤال المنتصب الآن أمام الحزب الشيوعي هل لا يزال الحزب الشيوعي السوداني حزباً ماركسياً حرفياً، أم أنه أصبح من أصحاب المراجعات في الماركسية . ذلك الموقف الذي ذهب إليه الزميل الخاتم عدلان وجماعته في (حق) وأخذه عليه, فلاحقه الشيوعيون الأصوليون .وأما حق بشقيها فقد اكتفت من التنظير بذلك الكتيب الذي نشره الزميل الخاتم ثم ذهبت مع الحزب الشيوعي إلى كل مذهب . فلم نعرف لها ولم نسمع منها بعد فكراً مغايراً نقدياً للماركسية . ولم نر لها نهجاً عملياً مخالفاً لممارسات الحزب الشيوعي الماضية والحاضرة والمستمرة. ونشأت إلى جانب الحزب الشيوعي طفيليات ماركسية أنشأها شيوعيون سابقون أو أبناء شيوعيين سابقين أو حاضرين مثل المؤتمر السوداني وغيره من التنظيمات الورقية . كما نشأت الحركة الشعبية ماركسية بالمانفستو الأول . وشيوعية النكهة والممارسة في المانفستو الآخرين يقودها جنوبيون مثل باقان رضعوا ألبان الماركسية في كوبا، أو شيوعيون سابقون مثل عرمان وسائر الشيوعيين الذين عرفنا بعضهم وعاصرنا بعضهم. وأول ما تراجع عنه الحزب الشيوعي السوداني هو تراجعه وتناسيه للطبقة العاملة . وبالتالي تخلصه من مقولة ديكتاتورية الطبقة العاملة . فلم نر في قياداته ولا في خطابه شيئاً له علاقة بالطبقة العاملة التي يرى الزميل الخاتم أنها تلاشت لصالح توسع الطبقة الوسطى. فما هي الكتلة الحرجة أو الطبقة الجديدة أو الشرائح الجديدة التي يراهن عليها الشيوعيون الجدد القدامى . إنهم يراهنون بجميع تنظيماتهم على من يسمونهم المهمشين . ومفردة المهمشين مفردة شديدة الغموض . و هم يعرفونها تعريفاً عنصرياً بالمجموعات السوداء تارة . ولما كان غالب أهل السودان سوداً فهي المجموعة الأشد سواداً وتارة أخرى يطلقون عليها صفة الأفريقية وكأن الآخرين يقومون على أرض أخرى هي ليست أفريقيا . وأحيانا يُعرفون المهمشين تعريفاً قبلياً . فهم قبائل محددة في جنوب كردفان أو النيل الأزرق أو دارفور مع استخدام التعمية أحياناً بعدم ذ كر تلك القبائل تحديداً . وأحياناً يعرفون التهميش تعريفاً جهوياً فهي مناطق معينة ومعلومة . والغموض هنا مقصود على الرغم من أن الغموض ليس شيئاً تعلمه الشيوعيون من الماركسية . فالماركسية إن كان لها أن تمُدح بشئ أكثر من أشياء أخرى فذلك الشىء هو وضوحها وجلاءها النظري . فالغموض يُراد به استخدام خطابات متعددة . بحيث تُخاطب كل مجموعة بما يلائمها من الخطاب . والحزب الشيوعي وأحلاس الماركسية الآخرون بمختلف مسمياتهم من أحزاب أو مراكز بحثية معلومة ومعلومة انتماءات أصحابها وارتباطاتهم يراهنون جميعاً على إعادة تشكيل الدولة والمجتمع تشكيلاً يلائم مطلوباتهم الغامضة . وذلك بتوظيف تحريض الجماعات العرقية والعنصرية والقبلية والجهوية . والديكتاتورية الجديدة التي باتوا يدعون لها بعد ديكتاتورية البروليتاريا هي ديكتاتورية النخبة المتطلعة للسلطة من أبناء هذى المجموعات التي يزعمون تهميشها. ومهما يكن من مخالفة ذلك للماركسية التي لا تعتد بالتقسيمات العرقية أو القومية او القطرية بل نري أن الوحدة الحق هي وحدة الطبقة، وأن الديكتاتورية إنما هي ديكتاتورية الطبقة العاملة فان ذلك ما عاد يهم زعامة من يتسمى بالحزب الشيوعي السوداني وسائر الطفيليات الماركسية الأخرى. وإذا كان الحديث قد انتهى أو انتفى عن الطبقة العاملة فلا حديث إذاً يرجى عن مرحلة سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية . فلا الوطن قد أصبح وطناً واحداً بل صار أوطاناً وشعوباً وأقاليم ومهمشين وآخرين يهمشونهم فماذا تعني الوطنية . وصار الوطن موضعاً لإعادة النظر في وحدته وحدوده وهويته وانتماءاته الحضارية . فكل شئ فيه صار برسم التغيير إلى وجهة غير معلومة وإلى فكرة لحمتها وسداها العرقية والعنصرية والتفرقة بين المواطنين على أساس أصولهم إن كانوا جلابة يتبعون الى قبائل نيلية محددة في وسط السودان أو كانوا بزعمهم مجلوبين مهمشين قد آن أوان ديكتاتورية كياناتهم الجديدة. والديكتاتورية الجديدة ليست ديكتاتورية الحكم بل هي ديكتاتورية الدولة . فليس المراد السيطرة التامة على الحكم بواسطة من يسمونهم المهمشين بل تفكيك الدولة شرطتها وجيشها وقضاءها وخدمتها المدنية بزعم أن كل هذا أصبح دولة الوطني لا دولة الوطن . ولم يواجهوا السؤال البدهي إذا كان الوطني قد تمدد في كل ركن وكل طرف من أطراف الدولة فكيف لا يتماهى الوطني مع الوطن. وأما الشئ الآخر المفقود في أدبيات الشيوعيين الجدد القدامى فهو الإشتراكية واجتناب سبيل التطور الرأسمالي . وهذا سكوت مقصود عن ما لا يجوز أن يسكت عنه ماركسي قح قط. فمناهضة الرأسمالية هي أس النضال الشيوعي . ولكن كيف تتأتي مناهضة الرأسمالية بحزب يقوده فلول من البرجوازيين الصغار والرأسماليين الطفيليين الذين صارت أمريكا هي الممول الأول لمراكزهم الفكرية ولنشاطهم الهدام السلمي والمسلح منه على حدٍ سواء. إن العدو الجديد القديم للشيوعيين الجدد القدامى هو الدين والمتدينون، لأن الدين وحده هو العاصم لجماهير الشعب من أن تُفتتن بالدعوات العرقية والعنصرية الضيقة. ولأن الدين الذي يدعو للمقاومة والممانعة هو ما تخشاه وتكرهه القوي الاستعمارية فتناهضه وتحاربه وإنما هم بعض أدواتها في معتركها مع أهل التمسك بالعقيدة وسيادة الوطن.