تقول الطرفة الشهيرة إن أحد أصحاب الخيال الواسع ممن يتندّرون على حالتهم طالبوه ببطاقة شخصية فرد قائلاً: (هي وينا الشخصية البعملوا ليها بطاقة). أتذكّر هذه الطرفة كلما قرأت خبراً عن إقرارات الذمة للمسؤولين، ليس من باب التشكيك في ذمتهم، ولكن استشعاراً لهاتف مقلق يخبرني أنه مهما بلغ مستوى الإجراءات التي تحاصر القائمين على أمر المال العام وتلاحقهم بالاستفسار والتحري والسؤال إلا أن الفيصل في الأمر هو وجود (ذمة)، فإن خلا المسؤول الفلاني من الذمة وكان (عديم ضمير) فلن تنفع أية إجراءات أو إقرارات في إثنائه عن اقتراف الحرام.. وإن كان قلبه يقظاً وذمته نظيفة فإنه لايحتاج إلى (إقرار). ولكن دعونا ننتظر ما يمكن أن تسفر عنه اعمال اللجنة الرئاسية المكونة لهذا الغرض.. فباستثناء القيادات على مستوى الرئاسة ووالي الخرطوم فإنّ الذمة المالية للمسؤولين مازالت منطقة يحظر الاقتراب منها أو التصوير.. صمت الدولة عن ممتلكات المسؤولين تتحول الى أحاديث في مجالس المدينة أغلبها ليس بريئاً.. شح المعلومات في هذا الجانب يفرخ شائعات يضيف لها كل من تمر عبره (كوز أو كوزين)، ويجعل منها خبراً مشبوهاً ينبغي أن تطارده العدالة، وتلاحقه اللعنات. اللجنة التي كوّنها البشير لفحص إقرارات الذمة تقول إنّ البيانات قد اكتملت وإنها ستخضع لأشعة التثبت المقطعية حتى يتم الاطمئنان على أنها صحيحة لتصبح بعد ذلك مستنداً يحاكم المسؤول على محتواه. منذ تشكيل اللجنة لم نسمع خبراً جديداً.. من المهم أن تكون أعمالها تحت الأضواء الكاشفة.. ليس هنالك مسؤول أكبر من الرئيس الذي يعلم القاصي والداني ما لديه من ممتلكات أعلنها على الهواء مُباشرةً في أكثر من مرة. هنالك فرصة سانحة للتثبت من ذمة الحكومة المالية أخشى أن تهدرها اللجنة بالتعتيم على اعمالها وعدم الإعلان عنها وكشفها للرأي العام.. وقبل هذا وذاك فإنّ معرفة أجور المسؤولين الكبار مسألة في غَاية الأهمية لأن الثقة في طهارة اليد ونظافة السيرة المالية لن تتأتى إلا بمعرفة الدخل مقارنةً بالممتلكات وهذا جانب يعزز الكشف عنه قيمة الشفافية وطهارة اليد واتقاء الله في أموال عباده التي استخلف عليها هؤلاء المسؤولين. مازال الشارع يتحدث عن وعود الفاتح عز الدين والنهايات التي وصلت إليها لجنته في كثير من الملفات ذات الصلة بالمال العام.. وما زال الرأي العام يسأل عن آلية مكافحة الفساد بقيادة أبو قناية، ويسترسل في استفساراته مطالباً الحكومة (البيان بالعمل) في قضايا المال العام. نتمنى أن يتم اعلان نتائج الفحص على الملأ، دون تستر على مُمتلكات أيِّ مسؤول مهما بلغت، الطرق على نغمة الفساد ومحاربته ما عاد يطرب أحداً، لا يجدي أن تترك معارك المال العام معلقة في تهويمات الوعود وتعهدات الحسم ثم تنسحب في منتصف الطريق.. نتائج هذه المعركة تجدد شباب الدولة وتبعث بها حيوية ورشيقة تعلي من مخافة الله وتلتزم جانب شرعه في حقوق الناس.. أمام اللجنة فرصة لتقديم إقرار ذمة من قبل الحكومة لشعبها الذي ينتظر الأرقام والشفافية في الكشف عن مُمتلكات المسؤولين.