الخميس الماضي وعلى بعد مائتي ميل بحري من شواطئ الصومال، وفي حادثة وقعت باختلافات طفيفة أكثر من مرة هذا العام، اعترضت مجموعة من القراصنة الصوماليين (فاينا)، وهي سفينة تديرها شركة (توماس تيم) الأوكرانية، وتحمل على متنها (21) شخصاً هم سبعة عشر أوكرانياً من بينهم الربان، إلى جانب ثلاثة يحملون الجنسية الروسية وآخر من لاتفيا، وكانت السفينة في طريقها إلى السواحل الكينية وفي باطنها شحنة سلاح ضخمة يصل وزنها إلى ما يزيد على ألفي طن. وفي يوم الجمعة قالت الخارجية الأوكرانية أن سفينة تديرها أوكرانيا تم الاستيلاء عليها مساء الخميس بواسطة قراصنة قبالة السواحل الصومالية, أما أول التأكيدات الرسمية لطبيعة الشحنة التي كانت تنقلها السفينة فقد أتى حينما قالت ناطقة رسمية أوكرانية نقلاً عن وزير دفاع بلادها أن السفينة المختطفة كانت في طريقها إلى ميناء كيني، ووصف الوزير الدبابات والأسلحة والذخائر المحتجزة كافة لدى قراصنة القرن الأفريقي بأنها (اشتريت بطريقة قانونية تتوافق مع القوانين الدولية). وتشير تقارير إلى أن الشحنة المحتجزة داخل السفينة تشمل (38) دبابة أوكرانية إلى جانب (33) دبابة روسية من طراز T-72 و (14) ناقلة جنود مدرعة إضافة إلى مجموعة من الهاونات وصواريخ سام (7)، وتبلغ القيمة الإجمالية لهذه الأسلحة والمعدات (200) مليون دولار. وتضاربت الأنباء حول الوجهة النهائية لهذه الأسلحة، فبعض التقارير تشير إلى أن الشحنة كانت في طريقها إلى كينيا. وفي أول الأمر أشارت تقارير في روسيا إلى أن الأسلحة لفائدة احدى الدول الأفريقية، وهي كينيا، لكن مراقبين استبعدوا أن تكون الشحنة متجهة إلى مخازن الجيش الكيني الذي لا تربطه تاريخياً علاقات تسليح مع أوروبا الشرقيةوروسيا بقدر ما يعتمد في تسليحه على الغرب والولاياتالمتحدة. وفي اتجاه ثان أعلن مسئول كيني أن السفينة المختطفة كانت في طريقها إلى ميناء ممباسا الكيني على المحيط الهندي، لتأخذ طريقها من هناك إلى جنوب السودان. ونفى مصدر بالحركة الشعبية لم يكشف عن اسمه أن تكون الشحنة في طريقها إلى الجيش الشعبي. وكان الحديث عن تسليح الجيش قد تصاعد في الآونة الأخيرة، وأثار دخول أسلحة ثقيلة للجيش الشعبي منطقة النيل الأزرق قبل زهاء شهرين زوبعة إعلامية، كما تبنى برلمان الجنوب أخيراً إنشاء سلاح جو خاص بالجيش الشعبي وقالت أنباء في وقت سابق أن شركات أمريكية منها شركة (بلاك ووتر) ستتولى تحديث الجيش الشعبي. من جانبهم حذر القراصنة من أي محاولة لإنقاذ السفينة أو طاقمها وطالبوا بمبلغ (35) مليون دولار كفدية لإطلاق السفينة المحتجزة، وقال قرصان أطلق على نفسه اسم جانونا على جاما أنهم مستعدون للتفاوض مع السلطات الكينية بخصوص الفدية التي يطلبونها لإطلاق السفينة، وأضاف أن أفراد الطاقم هم رهائن لدى القراصنة. ولا يزال القراصنة يحتفظون بعشر سفن استولوا عليها قبالة السواحل الصومالية، لكن القراصنة أفرجوا خلال الأيام الماضية عن سفينة يابانية مقابل فدية تبلغ (2) مليون دولار، وسفينة مصرية كانوا قد اختطفوها أوائل الشهر الجاري مع أفراد طاقمها الخمسة والعشرين، ولم يتضح إذا ما كانوا قد تلقوا فدية نظير ذلك. ويختبئ هؤلاء القراصنة في خليج عدن الذي يكتظ بقوارب الصيد الصغيرة حيث يتنكرون في هيئة صيادين ويصعب اكتشافهم ويتجمعون على متن زورق شحن كبير قبل أن يضربوا في عرض البحر حتى عمق (240) كيلو متراً داخل مياه المحيط الهندي ليبحثوا عن فريسة من السفن بطيئة الحركة ثقيلة الحمولة. وصنف المكتب البحري الدولي المنطقة الممتدة على طول السواحل الصومالية باعتبارها أخطر منطقة شحن بحرية.ويفيد رهائن سابقون أن القراصنة يجمعون بين الوسائل القديمة والعصرية في عملهم، ويستعملون نظام تحديد المواقع العالمي والهواتف التي تعمل بالأقمار الصناعية، ولديهم جواسيس في الموانئ المجاورة مثل دبي وجيبوتي لرصد ضحاياهم. وأعلنت روسيا الجمعة أنها ستقوم بتسيير دوريات بحرية قرب السواحل الصومالية لحماية الرعايا والسفن الروسية. من القرصنة فيما تتجه سفينة تابعة للبحرية الروسية إلى المنطقة، بينما قالت الولاياتالمتحدة أنها تراقب المنطقة. وأعلن متحدث باسم القراصنة يدعى سوغولي على أمس الأحد أن عدة سفن أجنبية تطوقهم وأن أحد الرهائن فارق الحياة لأسباب طبيعية، ونفى أن يكون تعرض لعنف جسدي أو إطلاق نار، وقال سوغولي الذي كان يتحدث عبر الأقمار الاصطناعية من على متن السفينة المختطفة أن كل أفراد الطاقم بمأمن ولا يوجد نقص في الطعام لكنه تراجع عن المبلغ الذي طلبه القراصنة سابقاً، وطالب هذه المرة بمبلغ عشرين مليون دولار كفدية لإطلاق السفينة بمن عليها. ويبدو أن حادثة اختطاف السفينة الأوكرانية (فاينا) ألقت الضوء بصورة اكبر على نشاط القراصنة على السواحل الصومالية والذي أصبح مصدر تهديد للملاحة الدولية في المنطقة بعد أن تصاعدت عمليات القراصنة، لكنها كشفت أيضاً صفقة الأسلحة التي اتضحت نوعيتها ومصدرها، إلا أن الطرف المستفيد من الشحنة لا يزال موضع تساؤل، وإن كان البعض يشير إلى الجيش الشعبي خصوصاً وأن سلاح الكتلة الشرقية ليس بجديد عليه، بعد أن كان يقاتل به في أول عهده ، وعليه لا يستبعد مراقبون أن يكون الجيش الشعبي قد عاوده الحنين لسلاح الكتلة الشرقية مرة أخرى.