شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو شيبة أعطى تعليمات بتنفيذ مجزرة بيت الضيافة وهذا هو دليلي (...)
نشر في الرأي العام يوم 26 - 01 - 2013

ما زلنا في رحلة استقصاء الشهود، وتتبُّع إفادات الباحثين حول أحداث (19) يوليو 1971م، أو وقائع انقلاب الرائد هاشم العطا. ولا شكّ أن باعث اهتمامنا بهذا الحدث المهم في تاريخ السودان، هو أن الانقلاب
أفضى إلى أحداث دامية ظلّت راسخةً في الذاكرة السودانية، وخلقت جدلاً ينمو باطّراد مع إطلالة شهر يوليو من كل عام.
نواصل اليوم رحلة الاستقصاء، وتتبّع إفادات الشهود الأحياء، والالتقاء بالباحثين الذين نقّبوا في هذه الواقعة. وفي هذا الصدد نلتقى، في العاصمة القطرية الدوحة، باللواء د.محمود محمد قلندر؛ أستاذ الإعلام، والباحث والمؤرّخ العسكري، وأحد الذين اطّلعوا على تقرير لجنة التحقيق في احداث 19 يوليو برئاسة القاضي علوب؛ التقرير الذي أُعِدّ بناءً على تكليفٍ من الرئيس الراحل جعفر نميري، واختفى لاحقاً، مثيراً بدَوره عاصفة من الجدل. بَيد أن د.قلندر تمكَّن في العام 1976م من التفرّغ والاطلاع على هذا التقرير، وها نحن نحاول، في هذه الحلقة، أن نستقصي شهادته حول الواقعة والتقرير. ولعلّ مَن يتابعون ما خُطّ عن الأحداث السياسية في السودان يَذكرون بلا شك كتاب قلندر (سنوات النميري.. توثيق وتحليل لأحداث ووقائع سنوات حكم «25» مايو في السودان).
متى بدأ اهتمامُك بواقعة بيت الضيافة؟
- حين حدثت واقعة بيت الضيافة كنا ضباطاً حديثي الالتحاق بالقوات المسلحة، ولم ينقَضِ على انضمامنا إلى الجيش سوى (8) أسابيع ساعتئذٍ، يومها كنا في دورة تدريب أساسية خارج العاصمة، وتحديداً في مدينة شندي، ولكن بعد الأحداث عدنا إلى الخرطوم، وكان مُقدَّراً أن تكون أولى أعمالي الصحافية تغطية أحداث بيت الضيافة بعد أيام من حدوث المذبحة، حيث زُرنا بيت الضيافة والغرفة التي حدثت فيها المجزرة، وكانت دماء القتلى تتدفق إلى خارج الغرفة ووصلت حتى دَرَج القصر.
اهتمامي بهذا الجزء من القضية، أتاني لاحقاً بين 1975 ? 1976م حيث كنتُ ضابطاً في التوجيه المعنوي ومعنا المرحوم مقدّم (وقتها)/ محمد محجوب سليمان، الذي كان في بدايات عمله مستشاراً صحافياً للرئيس جعفر نميري، وكان محجوب يحاول أن يبني للنميري صورة ذهنية ذات كاريزما، والدليل على ذلك سعيه لإعداد كتاب بالتعاون مع عادل رضا من مصر عن النميري تحت اسم (الرجل والتحدّي).
كانت كتابة سِفر من ذلك النوع (الرجل والتحدي)، أحد مهام قسم التوجيه المعنوي وليست مهمة محمد محجوب وعادل رضا وحدهما، فكان أن أُوكِلت إلى زمرة من الضباط بعض المهام، نحو جمع المعلومات والبحث في بعض الجوانب ذات الصلة بتطوّر جعفر نميري كقائد وقيادي..إلخ.
كانت مهمتي يومها إجالة النظر في أحداث انقلاب (19) يوليو، بالتركيز على كيف قام الشيوعيون بمذبحة بيت الضيافة، وكُلِّفتُ بالاتصال بالعميد (وقتها)/ محمود عبد الرحمن الفكي، وهو أحد أعضاء لجنة القاضي حسن علوب، وفعلاً قابلته في العام 1976م، وأفادني بأنه يملك التقرير، ولكنه وَصَفه بالسرّي الذي لا يمكن أن يطّلع عليه أحد، فاتفقنا معاً أن تتاح لي فرصة الاطلاع على ما ورد فيه خارج ساعات العمل الرسمية، شريطة ألا أخرج به من مبنى القيادة العامة. وبناءً على ذلك وافقتُ على الجلوس والاطلاع على التقرير بعد الثانية ظهراً (عقب ساعات الدوام الرسمية) واستمررتُ في المطالعة طيلة أسبوعين - ليس يومياً بالضرورة - كنتُ خلالها أجمع المعلومات.
لم أقرأ التقرير بأكمله، وركّزتُ على الجزء المتعلِّق بتحقيقات بيت الضيافة، إذ كانت معظم التحقيقات هي مع العسكريين الناجين من المذبحة، فضلاً عن مجموعة من الضباط الآخرين ممن كانوا في مبنى الأمن القومي، وآخرين في القصر الجمهوري من حراس النميري، وأبو القاسم محمد إبراهيم، وأعضاء مجلس الثورة في ذلك الوقت.
جلستُ لهذا الأمر، وأخذت أقرأ في هذه الجوانب، وظللت أسجّل الأساسيات ما أمكن لي ذلك. شملَت التحقيقات ضباطاً وضباط صف، حتى من أولئك الذين كانوا حرساً في الخارج، وأستطيع القول إنه تم التحقيق مع كل مَن يمكن التحقيق معه على أساس عسكري. مررتُ على بعض الشهادات بسرعة، ولكني ركّزت على الشهادات الأساسية، وخلاصة الأمر أنني تمكّنت من كتابة تلك الجزئية في ثنايا كتاب (الرجل والتحدي).
لاحقاً أصبحَت قضية بيت الضيافة بالنسبة لي مسألة ذات أهمية، وبدأتُ التعامل والبحث في أمرها مع عددٍ من الذين كانوا في القصر - طبقاً لما قرأتُ في التحقيق - ومن أهم مَن قابلتهم في هذا الخصوص، في أوقاتٍ متفرّقة، عثمان عبد الرسول، وعثمان محمد أحمد، والملازم المعتقل في مبنى جهاز الأمن القومي طارق ميرغني، فضلاً عن آخرين. وكنتُ مهتماً جداً، في ظل أحاديث كثيرة مبثوثة، بالإجابة عن السؤال الأزلي : هل حقاً كانت هناك عملية مدبّرة سلفاً، بحيث يمكن القول إن الحزب الشيوعي دبّر لهذه المجزرة، أم ليس كذلك؟. ومن كل قراءاتي للتحقيق، وأوردتها في كتاب (سنوات النميري)، وصلتُ إلى خلاصة وحيدة مفادها أن الذي حدث : هو أن شخصاً ما وَجَّه أو أعطى تعليمات، بالفهم العسكري.
مقاطعة: من هو هذا الشخص؟
- عثمان أبو شيبة. هو مَن أعطى تعليمات بأنه، في حال حصول انتكاس لحركة (19) يوليو، يجب أن يُنفَّذ الإعدام بحق المعتقلين جميعاً.
كيف عرفت ذلك؟
- الحديث مع من كانوا في جهاز الأمن أبَانَ بوضوح أن الضابط المسؤول عن الحَرَاسات وهو العمَّاس، وأنه تلقّى عدة اتصالات تلفونية، وكان الحوار فيها طبقاً لإفادات الشهود؛ أن العمّاس بدا متردّداً جداً في تنفيذ التعليمات الصادرة له، وكان يقول للطرف الآخر على الهاتف: (والله سعادتك أنا ما بقدر أعمل كدة)، وما وضح لاحقاً أنها كانت أوامر بتصفية المعتقلين، وكان آخر ما قاله العمّاس للضابط بعد انتهاء المكالمة: (يا جماعة الأمر ده انتهى وكل واحد حر).
كيف تأكّدتَ أن مَن بالطرف الآخر هو أبو شيبة؟
- بالاستنتاج ؛ إذ ورد في أقوال أحد الضبّاط من مجموعة حراس القصر الجمهوري، أن أبو شيبة قال له بالتفصيل : (لو إنتو ما نفّذتو تعليماتي..) وأعقب ذلك بقوله: (على العموم أعدِموا الباقين). وهذه دلائل كثيرة تشير إلى أنَّ مَن أعطى الأوامر هو عثمان أبو شيبة.
? ما هي الخلاصة التي توصَّلتَ إليها حسب ما طالعت من تحقيقاتٍ في تقرير القاضي علوب؟
- ليس التقرير في عمومه خلاصة، ولكنه يحوي تحقيقاً ومجموعةً من الروايات المختلفة، في حوالي (6) ملفات عبارة عن تحقيق عسكري على طريقة (سين سؤال، وجيم جواب) وليس فيه - أي التقرير- استنتاج وليس فيه ملخّص، ومجموعة الملفات التي اطّلعت عليها عبارة عن ذلك النوع من التحقيقات. ومن ثم خَلُصتُ شخصياً إلى تلك النتيجة، وبالتالي أقول، استناداً إلى ما قرأت، إن هناك وضوحاً شديداً جداً بوجود تعليمات صادرة إلى الضبّاط الذين كانوا على قيادة الحراسات في المناطق الثلاث (قصر الضيافة، و القصر الجمهوري، و مبنى جهاز الأمن القومي) وجميعهم - أي الضباط - تابعون للحرس الجمهوري، الذي يرأسه أبو شيبة. وبالاستنتاج، أن من يتحدّث في التلفون ويُجاب عليه (متأسّف ما بقدر) هو شخص مخولٌ له إعطاء التعليمات.
في كتابك (سنوات النميري) قلت: (خلاصة القول في هذا الأمر هو أن المذبحة من صُنع الانقلابيين بلا جدال) من أين أتيتَ بهذا اليقين؟، هل هو مستمَدّ من قراءاتك لتحقيقات القاضي علوب؟
- في النهاية يمكن أن يصل المرء إلى اليقين لسبب وحيد، هو أن مَن كانوا داخل قصر الضيافة يعَدون الشهود الأساسيون في العملية، ومَن بقى حياً منهم بات شاهداً أساسياً، بحسبانه استمَع إلى الحوار الذي دار بين الملازمين قبل دخولهما إلى الغرفة، وكان من الواضح أن الأعلى رتبة - وكلاهما ملازمان بالمناسبة - يوجِّه الأقل رتبة بأن يفتح النار على المعتقلين.
وهذا موجود في تقرير القاضي علوب؟
- موجود في التحقيق الذي أجرى مع الضباط ممن كانوا بداخل القاعة، واستمعوا إلى الحوار الدائر في الخارج، ومنهم عثمان عبد الرسول. وناتج هذا الحوار أن تم فتح النيران على المعتقلين وحدث ما حدث. إذاً الاستنتاج الأساسي نابع من هذه النقطة، وهو استنتاج منطقي.
أهو استنتاج أم معلومات؟
- استنتاج مبنيّ على المعلومات الواردة في التحقيق، وهذا الاستنتاج يقودك إلى نتيجة واضحة بأن شخصاً وجّه بهذه العملية؛ عملية التخلّص من المعتقلين.
? وفي رأيك ما هو السبب؟
- السبب في تقديري عائد إلى شخصية أبو شيبة أكثر من أي أمر آخر، إذ حاولتُ الإجابة على السؤال ذاته، وبرغم أني لم أعاصر أبو شيبة كضابط، ولم أره ولا قابلته في حياتي، استعنتُ بعدد من الضباط المقرَّبين منه، وبعدد من أقاربه، في محاولة لفهم شخصيته، ومما جمعته من معلومات في هذا الصدد ، تكاد شخصية الرجل تكون من ذلك النوع الذي يمكن أن يوجّه بمثل ذلك الأمر [أي التخلّص من المعتقلين] أكثر من أي شخص آخر. وبالتالي خَلصتُ، كما قرأتَ في كتابي، إلى أن المذبحة من صُنع الانقلابيين، وأبو شيبة واحد منهم.
? هناك من يقول إن ما حدث في بيت الضيافة، أو كما يحلو لك أن تسمّيه في كتابك (بيت الضيوف)، ليس أمراً من صُنع الانقلابيين وإنما من صُنع قوة ثالثة قوامها الطامعون والمغامرون؛ هدفهم الإطاحة بالنميري وهاشم العطا على حدِّ سواء، فهل وجدتَ فيما طالعتَ شواهد عن هذا الأمر؟
- لم أجد في كل قراءاتي ما يشير إلى قوة ثالثة أو جهة ثالثة تدبّر لهذا الأمر؛ أمر تصفية المعتقلين، لا صلاح عبد العال، ولا قيادة غربية، ولا مجموعة خالد حسن عباس القادمة من (القنال)، ولم أجد أي شئ يشير إلى قوة ثالثة في التحقيقات. وبالرغم من أحاديث تطرَّقت إليها بعض الجوانب عمّا دار بعد ذلك، خاصة عن مجموعة (القنال)، وعملها الذي تداخلت فيه مصر وليبيا للوصول إلى الخرطوم، لم أجد لذلك صلة بما حدث في قصر الضيافة، فقوات الجبهة القادمة من (القنال) وصلت بعد الأحداث. إذاً خلاصة الأمر أني لم أجد في أيٍّ من قراءاتي - وكما قلت لك لم أقرأ كل شيء- ما يشير إلى وجود قوة ثالثة.
في تقرير القاضي علوب؟
- أتحدّث عن تقرير القاضي علوب، وشخصياً ركزتُ على قراءة إفادات العسكريين ذوي الصلة بما حدث في قصر الضيافة، وكل قراءاتي في هذا الجانب خلَت من الإشارة إلى جهة ثالثة. وتقرير القاضي علوب بالنسبة لي هو تلك المجموعة من الملفّات ذات الصلة بالتحقيق مع العسكريين الموجودين، ولم أقرأ كل الملفات، وإنما كنت أنتقي الملفات ذات الصلة بالمذبحة، كوني باحثاً عن الحقيقة.
ما هو آخر مكان رأيت فيه التقرير؟
- ربما تكون نسخة من هذا التقرير موجودة في القيادة العامة، وربما في الاستخبارات، وربما في الإدارة. نعم في الوقت الحالي تغيَّر الهيكل داخل القوات المسلحة، ولكن الإدارة في ذلك الوقت كانت تُعرف بمكتب نائب رئيس الأركان للإدارة.
ومتى كان آخر عهد لك بالتقرير؟
- آخر عهدي بالتقرير في العام 1976م، حين كان العميد/ محمود عبد الرحمن الفكي مديراً لفرع الإدارة بالقوات المسلحة. والسبب في اطِّلاعي على التقرير الموجود في الإدارة وقتها أن العميد الفكي كان عضواً في لجنة القاضي علوب. ولكن تقديري أن التقرير سيكون إما في الإدارة أو في الاستخبارات.
يقال إن الرئيس نميري لم يكن سعيداً بما ورد في التقرير، وما خَلُص إليه من نتائج، ولذلك قام بإحراقه.. هل هذا صحيح؟
- استبعِد أن يقوم جعفر نميري بإعدام التقرير، فقد قرأته في العام 1976م، وإن كان نميري يريد إحراقه وإعدامه كما يقال لفعل ذلك في العامين 1971 أو 1972م وليس في 1976م.
شابَ وقائع وأحداث (19) يوليو الكثير من الغموض واللبس والجدل ، وهذا يستدعي السؤال : لماذا هذه الواقعة بالذات؟
- يعود ذلك إلى طبيعة السياسة السودانية، وطبيعة خلافات السياسة السودانية، وهناك دوماً رغبة في أن تجعل خصمك كبشَ فداء، ولذلك إذا أتيحت الفرصة لمن هم ضد الشيوعيين في أن يُسبغوا على الشيوعيين مثل تلك التهمة فلن يتحرّجوا من القيام بذلك، خاصة أن من أسهل الأمور أن يؤكّدوا في مثل هاتيك الظروف أن الشيوعيين قاموا بالمذبحة، كما أن الشيوعيين ليست لديهم المعلومات الكافية التي تخوّل لهم أن ينفوا تماماً دورهم في الواقعة، سيما وأن الشخص الذي فعل تلك الفعلة منتمٍ إلى تنظيم الشيوعيين، وبالتالي سهل جداً أن يُنسب إليهم الفعل، ما دام الفاعل منهم، فضلاً عن أن تقرير علوب خلا من موقف واضح ينكر أن تكون المذبحة من تنفيذ الشيوعيين، ومن بعض قراءاتنا اللاحقة علمنا أن التقرير يتحدّث عن دَورٍ لآخرين.
ألم يحسم تقرير القاضي علوب هذا الأمر؟
- في قراءاتي طالعتُ جزءاً واحداً، ولكن لاحقاً من اهتماماتي بالتقرير، أستطيع أن أقول إنه ليس هناك من حسم لهذا الموضوع.
لكن ما ذكرته في كتابك (خلاصة الأمر أن المذبحة من صُنع الانقلابيين بلا جدل) هل يمكن أن تكون وصلت إلى هذا اليقين بلا بيّنة قضائية، ودون أن يكون التقرير حاسماً لهذا الامر؟
- إذا أعدت قراءة هذا الجزء تجد بوضوح أن...
مقاطعة : نصّ حديثك يا دكتور: (خلاصة القول في هذا الأمر أن المذبحة من صُنع الانقلابيين بلا جدال، وهي لم تكن لها مبرِّرات سياسية، ومبرِّراتها، في اعتقادي الخاص، شخصية، وتتصل بالتكوين النفسي لمن أقدَم على المغامرة، وهم يضعون حسابات الفشل قبل حسابات النجاح، وأقدموا على الفعل متى ما أحسّوا بالخطر، وقاموا بهدم المعبد عليهم وعلى أعدائهم)، هذا النص قاطع وواضح في هذه المسألة؟
- لا يمكن نكران أن مَن فعل تلك الفعلة هم الانقلابيون، الانقلابيون وليس الحزب الشيوعي.
لم أذكر الحزب الشيوعي السوداني، أنت ذكرتَ بالتحديد الضباط الانقلابيين، وهم منسوبون إلى الحزب الشيوعي بلا شك، ولكن لم يُوَجَّه الاتهام إلى الحزب الشيوعي السوداني. وأسألك، من خلاصة التحقيقات التي طالعتها في تقرير القاضي علوب، هل تستطيع أن تصل إلى يقين بأن مَن نفَّذ المذبحة هم الضباط الانقلابيون أم ليسوا هم؟
- لتقرأْ هذه النقطة مرة ثانية، ستجد اليقين بأن الانقلابيين؛ أحمد جبارة، والحاردلو، وأبو شيبة، هم بلا جدال مَن نفذوا المذبحة، أما ارتباطهم السياسي، ووجود قرار بالتصفية، فذلك لا يوجد في الذي قرأته، ولا أعتقد أن علوباً يستطيع أن يصل إلى ذلك.
هل يمكن الوصول إلى تلك النتيجة من مطالعة نصوص التحقيقات في تقرير القاضي علوب؟
- واضح. ومن السهل جداً، بعد قراءة ملفات التحقيق التي اطّلعت عليها شخصياً، أن تصل إلى النتيجة بأنه تسهل الإشارة إلى ثلاثة أشخاص على الأقل ممن نفذوا العملية؛ اثنان منهم منفذان مباشران، وثالثهم أعطى أوامر التنفيذ بما له من سُلطة. وهؤلاء الثلاثة موجودون تقريباً في شهادات معظم الناجين من المذبحة، ومنهم عثمان محمد أحمد، وعثمان عبد الرسول، وعبد القادر محمد أحمد، وجميعهم موجودون في التحقيق. ولعلك تعرف أن عثمان عبد الرسول شهد على جبارة والحاردلو باعتبارهما المنفذَين للمذبحة، وشهادته لم تتغيّر أبداً، وحتى إشارته للأصبعين تقريباً هي ذات الإشارة، ويمكن القول إن عثمان عبد الرسول هو أحد الشهود الثوابت في هذا الأمر، بلا جدال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.