مفاجأة غير متوقعة فجرها الاتحاد الافريقي بكرم حاتمي أمس بمنح دولتي السودان ستة أشهر أخرى لحسم خلافاتهما وتجاوز محطة الملفات العالقة.. القرار لم يقف عند حدود التمديد وشمل القرار تمديد تفويض لجنة الوساطة برئاسة ثامبيو أمبيكي، لينسف الاتحاد الافريقي البقية الباقية من أعصاب ويمحو ما سطر خلال الايام الماضية بفشل التفاوض، عبر كشفه عن جولة مفاوضات جديدة بين وفدي البلدين تنطلق في 15 فبراير المقبل بأديس أبابا، وشدد الاتحاد على أهمية أن يطبق السودان وجنوب السودان الاتفاقيات الموقعة بينهما بلا شروط وفي أقرب وقت ممكن. قرار مجلس الأمن والسلم الافريقي أثار حيرة الكثيرين لجهة مجيئه عقب حالة من الضغوط والتركيز الأممي والإقليمي بسرعة حسم الملفات بين البلدين، ولم يترك خياراً للتوقع بالتمديد دون منح المبررات اللازمة لتفسير انقلاب المواقف، كذلك فان القرار لم يطرح بدائله وخطواته في حال لم يلتزم الطرفان بالمهلة الجديدة التي تتجاوز تهديدات القرار 2046 الصادر من مجلس الامن الذي انتهت مهلته السابقة في اغسطس من العام الماضي دون اتفاق يذكر، ليتم التمديد الذي أعقبه توقيع العاصمتين على اتفاق التعاون المشترك المكون من ثماني اتفاقات فرعية في سبتمبر الماضي ، تلاها تعثر في تنفيذ الترتيبات الأمنية والحدود وأبيي والميل 14 لتتم المراهنة على قمة الرئيسين البشير وسلفاكير في 24 يناير الاسبوع الماضي وانتهت دون التوصل لحلول، ليخرج قرار مجلس السلم والأمن الافريقي .. التمديد نصف السنوي ألجم أفواه الكثيرين، فيما أرضى غرور قطاعات عريضة من الخرطوميين الباحثين عن نصر معنوي في سياق أجواء الهزائم المتلاحقة في جل القطاعات، واعتبر مراقبون أن القرار محصلة لنجاحات الدبلوماسية السودانية التي اضحت فاعلة في ملف العلاقات الشمالية / الجنوبية في الآونة الاخيرة، فيما أعتبره آخرون مقابلاً زمنياً هدية للخرطوم لتمرير ضغط التفاوض مع قطاع الشمال الذى اتخذت الخرطوم ازاءه موقف الرفض القاطع جلوساً وتحاوراً.. لتظل حقيقة التغيير الافريقية أسيرة كواليس ودهاليز الافارقة وما يجئ عابراً للقارات.. الفريق يوسف عثمان اسحق قائد القوات المشتركة قبيل الانفصال أعرب عن تشاؤمه بأن القرار يشير الى أن ثمة اتجاها دوليا لتنفيذ امر يدبر فى الخفاء لا يدركه السودان، واعتبر الفريق اسحق أن التمديد من صالح الدبلوماسية الى حد كبير، لجهة أن الأشهر الستة تتيح للدولة السودانية ترتيب أوضاعها الداخلية وحسم ملفات الاحتراب فى جنوب كردفان والنيل الازرق والمشاكل الداخلية الأخرى، وقال ل(الرأى العام) المدى الزمنى فرصة لتوحيد الجبهة الداخلية ومن تبنى موقف تفاوضى، بالاضافة الى أن قرار التمديد يمنح الخرطوم فرصة اصلاح صورتها أمام المجتمع الدولى عامة وامريكا خاصةً.. ويذهب قائد القوات المشتركة السابق الى أن القرار من زاوية الأفارقة لا يشير الى الكثير باعتبارها دبلوماسية مسيرة من المنظمة الاممية واضاف( اى أن التمديد تحصيل حاصل بالنسبة لدول القارة فهى غير فاعلة، باستثناء بعض الدول التى تعانى حالياً بسبب اضطراباتها الداخلية كمصر واريتريا واثيوبيا). على المستوى الأممى يرى الفريق يوسف عثمان، أن الدبلوماسية الاممية ذات اتجاه واحد وتسيطر عليه واشنطون التى تسعى لتجريم الخرطوم بتوجيه بعض التهم من أشخاص نافذين فى الادارة الامريكية ومسيطرين داخل المطبخ السياسى الامريكى مثل سوزان رايس، التى تمارس ضغوطها على أوروبا أيضاً ، وقطع الرجل بأن المهلة سيتم استغلالها فى وضع المزيد من الخطط المحبوكة التى تزيد أوضاع الخرطوم تعقيداً خصوصاً فى النيل الازرق وجنوب كردفان ودارفور.. الخبير العسكرى اعتبر أن المهلة هدية من السماء للخرطوم اذا تم استغلالها بتعديل الموقف الحكومى تجاه قطاع الشمال وقال(أعتقد أنها فرصة مثالية لمراجعة الموقف الرافض للتفاوض، فثمة تيار عريض يرى أنه طالما تم التفاوض مع الجنوب الذى لا تربطه بالشمال كثير صلات، وانفصل، فمن باب أولى ان يتم التفاوض مع ابناء المنطقتين فى القطاع، ومحاورة التيار الغالب داخل الخرطوم الذى يرفض التفاوض مع القطاع الا باعلان فك ارتباطه مع الجنوب ، كما يمكن توظيف المدة فى تخذيل الكثيرين داخل القطاع للانحياز الى السلام). د. عبد الناصر سلم عضو مجلس التحرير والعدالة والمقرب من الدوائر الاوروبية يرى فى حديثه ل( الرأي العام) أن قرار مجلس السلم والأمن الافريقى خذل توقعات الجنوب فى احالة الملف لمجلس الامن الدولى بعض الضغوطات التى تعرضت لها الدول الافريقية من الدبلوماسية السودانية التى ضمنت بقاء الملف إقليمياً وبالتالى الى ضغوط أقل.. وتوقع د. عبد الناصر أن تبرز ردة فعل الجنوب على خذلانه من فشل الاحالة ، بزيادة دعم الحركات التى بالاصل تتواجد فى الجنوب ? بحسب تعبيره- فى محاولة لمحاصرة الخرطوم عبر جبهتى جنوب كردفان والنيل الازرق، ويدلل القيادى بالتحرير والعدالة على توقعاته، بما كشفه عن تسلم قطاع الشمال لمبلغ 24 مليون مقدمة من أمريكا والاتحاد الاوروبى عن طريق حكومة الجنوب ، بالاضافة لاحتضان واشنطون لمؤتمر ايوا الذى يجمع الحركات المسلحة مع بعض أحزاب الخرطوم.. ويبرزسؤال.. ماذا بعد التمديد فى حال عدم التوصل لحل؟ ظل السؤال الجوهرى المختفى بين طيات السطور وكلمات المهتمين فى محاولة لاستنتاج خيارات الافارقة ازاء الملف الاكثر كلفةً وابلغ تعقيداً ويذهب د. عبد الناصر الى أن الاتحاد الافريقى لن يجد حلاً سوى إحالة الملف اذا لم يتم التوصل لتسوية نهائية بالتالى التدويل الذى تخافه الخرطوم، واضاف(لا يمكن توقيع أو التوصل لأى اتفاق بين الخرطوموجوبا طالما سياسة جوبا مرتبكة بفعل سيطرة أبناء ابيى ونفوذ الجنرالات بعدم حرصهم المعروف فى التوصل لاتفاق بين العاصمتين فى ظل بقاء النظام الموجود حالياً فى الخرطوم.. واعتبر عضو المجلس الثورى للتحرير والعدالة أن أكبر الأخطاء التاريخية التى وقعت فيها الخرطوم فقدانها لكروت الضغط التى تحتاجها فى هذا التوقيت ، وحدد فى حديثه الى المعارضة الجنوبية وقال(الخرطوم أخطأت بابعاد المعارضين الجنوبيين لتفقد أهم كروت مناورتها مع الجنوب فى هذا التوقيت). من جانبه، اعتبر الناشط الاريترى محمد طه توكل مدير مركز الخليج للدراسات بالقرن الافريقى فى حديثه ل(الرأى العام) أن القرار الافريقى صدر بعد الوصول لقناعة الوساطة بعدم حدوث اختراق بين الرئيسين فى القمة الاخيرة بسبب قصر المدة وضيق الخيارات، وقال(القرار حرص على تمديد تفويض الوساطة بدلاً عن تحديد سقف زمنى ، بعد اصرار الوساطة على أهمية البصمة الافريقية عبر الاتحاد الافريقى فى حل مشاكل القارة وأن التدويل لن يخدم المصالح ، بعد أن رعى السلام بين البلدين طيلة الفترة الماضية ويجب عليه مواصلة لعب دوره). ويرى توكل أن الخرطوم هى المستفيد الاكبر من القرار لجهة أنها فى وضع مريح قياساً بجوبا ، فى محور عامل الزمن الذى لا توليه الخرطوم اهتماماً فيما يشكل فرقاً للجنوب باعتبار أن عدم التوصل لحل يعنى المزيد من المتاعب، وقال( من ثم فإن عدم رفع الملف الى القمة الافريقية أو الى مجلس الامن يعد انتصاراً ضمنياً للخرطوم ، ومكسبا سياسيا عقب حملتها فى حشد دول القارة). الى ذلك كشفت مصادر مقربة من ملف التفاوض بأديس ابابا ?فضلت حجب اسمها- ل(الرأى العام) أن قرار مجلس السلم والامن الافريقى جاء باجماع الدول ال15 بلا تحفظ أو اعتراض من اى دولة ، وتبنته مفوضة الاتحاد الافريقى زوما لتصيغ نصه الوساطة ليتم تقديمه فى اجتماع المجلس، وقطعت المصادر أن لجنة الوساطة برئاسة ثامبيو أمبيكى مرتاحة لأنها مارست اقصى درجات الضغط بالتلويح تارة بالانسحاب أو الاعتذار على العاصمتين، واضافت(عندما حانت لحظة الواقع والتعامل معه ووضوح عدم حدوث تقدم تم تقديم المقترح). مفاجأة اديس المختبئة بعيداً عن العيون طبقاً لمصادر (الرأى العام) باديس ابابا، كشفت عن اتفاق غير معلن يتضمن استثناء مهلة ال6 أشهر التى تشمل الفترة لما بين قمتين أى يوليو القادم، تستثنى منها اجتماعات اللجان السياسية والأمنية والفنية التى حدد أقصى سقف زمنى لها 15 مارس المقبل بما فى ذلك اجتماعات نوفمبر المعلنة ، ليتم حسم الملفات وصولاً الى نهاية الستة أشهر. تزامن قرار المهلة الافريقى للعاصمتين مع الإصرار على مفاوضة منزوعة الشروط مع قطاع الشمال، ترك توقعات بأن ثمة ظلالا يمكنها الاتكاء على ارض الدوحة حيث المفاوضات الجارية هناك مع قيادات عسكرية من العدل والمساواة ومجموعات أخرى، الأمر الذى رحب به آدم على شوقار رئيس حركة تحرير السودان ? القيادة العامة- فى حديثه ل(الرأى العام) لجهة ان التمديد يشجع الراغبين فى السلام من ابناء الحركات للانضمام، وقال( يبرز ذلك بوضوح من خلال حديث الادارة الامريكية لوفد قطاع الشمال حيث تم التأكيد على الخيار السلمى وأن واشنطون تدعم ذلك، بالاضافة الى حرص المجتمع الدولى والاقليمى على الوصول الى تسويات سلمية). واضاف( المنطق السلمى اصبح يفرض نفسه وسبق أن قلنا لأبنائنا فى الحركات ان ثقافة التغيير بالسلاح تلاشت واصبح المزاج الدولى والاقليمى مع انتزاع الحقوق عبر الحوار السلمى والعقلانى والموضوعى). واعتبر شوقار أن التغيير عبر السلاح تكاليفه باهظة ويدفع ثمنها السودان انقساماً على أسس جهوية وقبلية واثنية وطائفية بالاستناد الى حقائق التركيبة السكانية ودلل على ذلك بما تشهده دول الربيع العربى حالياً.. فى المقابل توقع الفريق يوسف عثمان اسحق أن يسهم قرار التمديد بما له من مدلولات إيجابية تجاه الخرطوم فى إرسال رسالة للحركات المسلحة يجعلها تسارع للانخراط فى مفاوضات سلام ، مالم تأت ضغوط من الغرب. من جانبه قطع د. عبد الناصر بأن المجموعات فى الدوحة لن تتأثر لجهة أن معظمهم ممن كانوا معتقلين بجوبا بإيعاز من خليل ابراهيم خصوصاً القيادات العسكرية، بالتالى تأثرها سيكون من صالح الخرطوم. عموماً غض النظر عن طول المهلة ومفاجأتها للطرفين كرماً تجاه الخرطوم وخذلانا تجاه جوبا ، الا أن ثمة مؤشرات تقول بان التوقيت المعلن كمهلة ليس للطرفين فقط، فالمؤتمر العام لقطاع الشمال يجرى الترتيب له واعداده، وهو ما يتيح ايضاً عدم البت فى أى شئ الى حين اكتمال ترتيبات القطاع وتوضيح نواياه تجاه نظام الخرطوم تفاوضاً أم إصراراً على مواصلة العمل المسلح، وهى فرضية تفرض نفسها بتزامن التمديد مع ترتيبات قطاع الشمال بإبقاء الأوضاع على ما هي عليه، ليكون التساؤل، من المستفيد من التمديد؟!!