للاهمية القصوى التي ينبني عليها قيام الإنتخابات العامة المزمع قيامها العام القادم، إرتأت (الرأي العام) إستباق التكهنات بإستنكاه المواقف الحقيقية للاحزاب السياسية حيال الامر، فاستضافت صالة (الرأي العام) خبيراً اكاديمياً، وعدداً من ممثلي الأحزاب السودانية الكبرى للتفاكر حول التساؤل الذي كان مطروحاً منذ فترة طويلة وما زال قائماً حول إمكانية قيام الإنتخابات من عدمه؟. وقد اضاءت الرؤية الأكاديمية والعملية الوضع من جوانبه كافة، ثم كانت الكرة في ملعب السياسيين. ترحيب ..وأسئلة صعبة استهل الأستاذ كمال حسن بخيت رئيس التحرير الجلسة بالترحيب بالحضور مثمناً إستجابتهم ومشاركتهم في الندوة حول الموضوع المهم. ومن جانبه قال الاستاذ ضياء الدين بلال مدير التحرير بعد ان جدد الترحيب بالمشاركين والحاضرين ان منبر (الرأي العام) تعود على طرح عدد من القضايا السياسية والخدمية والإجتماعية وغيرها، من خلال التغطية والعرض والرصد ومحاولة الإستجابة لتحديات كانت مطروحة لفترة طويلة، واضاف. ونحن نقترب من الاسوار الزمنية للانتخابات نحاول توفير إجابات من قبل القيادات الحزبية البارزة، واشار الى ان مصدر التساؤلات هو الحديث الذي ظهر في الصحف عن أن مواقيت الإنتخابات لم تعد مناسبة، ورغم التراجعات التي تمت عن تلك التصريحات لكن تبقى هناك ظلال حول الإنتخابات وإستعداد القوى السياسية لها. وقال ضياء انه قد يكون جزء من الحرب النفسية ان تقول الأحزاب إنها مستعدة قبل فترة، ولكن الحقيقة تبدو أنها غير جاهزة وهذا إفتراض سنؤسس عليه النقاش. وأشار الى عدم تمكن الصحيفة من إيجاد مشارك من الحركة في الندوة وقال: للأسف لم نتمكن من التوافر على اي من قيادات الحركة الشعبية، ونكاد نجزم إنه ما من قائد من قيادات الحركة الآن في الخرطوم فهم إما خارج السودان او خارج الخرطوم. ومضى لوضع الأحزاب أمام تحديات لخصها في أسئلة ساخنة كالتالي: سنبني على إفتراض أن تحديات تواجه الأحزاب تجعلها تقبل على الانتخابات بحذر. او تشويش او مخاوف، ونفترض ان المؤتمر الوطني مثلاً تواجهه الآن تحديات أساسية أولها مشكلة المحكمة الجنائية الدولية، وثانيها ما يمكن تسميته زحمة القيادات داخله والتي يمكن ان تؤدي لصعاب في إدارة العملية الإنتخابية، إضافة لتحديات الدولة والمشاكل التي تواجهها وعلى رأسها أزمة دارفور. وبالنسبة للحركة الشعبية فتواجهها مشكلة الأوضاع في الجنوب، ومشاكل الطقس والجغرافيا، كما ان الحركة تبدو متنازعة حول ترشيح الفريق سلفاكير لرئاسة الجمهورية. ثم هناك الحزب الإتحادي الديمقراطي الذي يعاني من وجود قيادته خارج السودان، كما يعاني نزيف قيادات وإنسحاب آخرين. وحزب الامة القومي أيضاً فقد عدداً من القيادات ويعاني إنقسامات. والشيوعيون لم يحددوا توقيت إنعقاد المؤتمر العام لهم، ولم يتجاوز الشيوعي اعراض الإختفاء وهناك بطء في حركته السياسية عامة، ومن كل ما تقدم يمكن القول إن الاحزاب غير جاهزة. ثم مضى ضياء إلى مجريات الندوة حيث أعطى الفرصة الأولى للبروفيسور مختار الأصم أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم وقال: سنقلب الوضع ونترك د. مختار الأصم الأكاديمي الخبير صاحب الإسهامات الواضحة يقدم (فرشة) فيما يتعلق بموضوع الإنتخابات. الظرف مناسب وبدأ د. مختار الأصم بتساؤلات تمهيداً لوضع الإجابة عليها كدليل في الموضوع، وهي هل بالإمكان الإستجابة لمطلوبات القانون والدستور وتنفيذ الإنتخابات في موعدها المضروب أم لا؟ واضاف: انا هنا لا أتحدث من موقف نظري، انا لدى فكرة في كيفية إدارة الإنتخابات، فأنا محاضر وطالب إدارة ، ومارست الإنتخابات عملياً كضابط تنفيذي، وحتى اكون عملياً وأكاديمياً لجأت إلى دار الوثائق وتحصلت على عدة وثائق تدعم ما أذهب إليه. وفاجأ الاصم الحاضرين بالقول ان الدستور لم يتحدث عن تاريخ محدد او فصل معين لاجراء الانتخابات، لكنه حدد أن تنتهي قبل نهاية السنة الرابعة، فيمكن ان تقوم في أي وقت منذ الآن إلى يوم 7/7/2009م، ويكون ذلك متوافقاً مع الدستور، ومن ناحية أخرى اشار الى ان السودان له إرث طيب في إدارة الإنتخابات وذلك مرتبط بالإدارة المحلية والحكم المحلي، واضاف ان السودان جرب خمسة إنتخابات تعددية الاولى كانت عام 1953م رأسها هندي وكان سكرتير اللجنة إدارياً هو علي حسن عبد الله الذي رأس اللجنة الثانية لإنتخابات 1957م، ثم كانت إنتخابات 1965م ثم 1968م ثم 1986م واضاف وأنا وقفت في انتخابات 1957م و1986م وفيها ان الإنتخابات منذ بداية التسجيل إلى فرز النتائج إستغرقت فترة ثلاثة أشهر، وفي 1986م بالذات إستغرقت أربعة أشهر وأسبوعين فقط منذ بداية الإنتخابات إلى إعلانها، وقد قامت الإنتخابات في السودان في الظروف المختلفة و لم تكن سهلة وميسرة إذ انه في آخر إنتخابات ذكر رئيس اللجنة عدة صعوبات واجهتهم، اولاً: قصر المدة المتاحة للإنتخابات وهو هنا يقصد الفترة الزمنية حيث تم تعيين اللجنة في 25/12/1985م، وبدأت اول إجتماعاتها في 28/12 وكذلك قالوا أننا ووجهنا بتباعد الفترة الزمنية بين آخر إنتخابات وهذه الإنتخابات وبين آخر تعداد سكاني وتعداد 1986م ، والآن ما أشبه الليلة بالبارحة (هكذا عبر د. الأصم) ثم استطرد: سوء الأحوال في أجزاء من السودان وهذه المسائل لم تعف تنفيذ الإنتخابات في موعدها ، لكن العبء الأكبر وقع على الإداريين. التجربة السابقة ويمضي الأصم في مقارنته ودعم ما يثبت وجهة نظره القائلة بعدم صعوبة قيام الإنتخابات متحدثاً بالتفصيل عن تجربة إنتخابات 1986م وتحدث عن اجراءاتها فيما يتعلق بالتسجيل ونشر الكشوفات والطعون وغيرها .. وقال: ان العملية إستغرقت ثلاثة أشهر سبقها شهر ونصف الشهرللتجهيز، واشار الى انه في أي إنتخابات يلزمك تحديد الميزانية المطلوبة، وتحديد المراكز التي تعتقد انها ستكون مراكز للإقتراع، والآن في السودان الأمر سهل كما ذكر فالسودان به (25) ولاية فيها مجالس ووحدات إدارية وبالتالي التقسيم الإداري موجود، لكن تواجهنا مشكلة إعلان الإحصاء السكاني الذي يفترض أن يكون في ديسمبر. ومن ديسمبر حتى يوليو فترة سبعة أشهر، ولو بدأت الآن يمكن ان تقوم إنتخابات سليمة إجرائياً. وقال انه اولاً يجب تكوين اللجان المحلية، ولو كانت المفوضية مكونة الآن لكانت بدأت في تعيين رؤساء اللجان ودعتهم لمؤتمر في الخرطوم، وهذه عملية إجرائية بحتة لاعلاقة لها بإنتظار الإحصاء، يحددون المطلوبات التي من ضمنها سلطات وضع اليد على المواصلات لأن العربات المتحركة شئ أساسي. واكد الأصم ان القول بان الوقت لايسمح عملياً وإدارياً بقيام الانتخابات غير صحيح فالظرف يساعد تماماً بإنجاز المهمة في الوقت المحدد.. لكن كلما ضاق الوقت كلما إرتفعت التكلفة.. ولفت الأصم النظر لنقطة رآها مهمة وأساسية وقال إن أكثر بلاء يمكن ان يصيب الإنتخابات هو بعد الناس عنها وعدم مشاركتهم فيها، وأضاف ان أي شخص عمره اقل من (40) سنة لم يسبق له ان مارس عملية إنتخابية، وزاد بأنه كان يتوقع أن تعمل الصحف على تثقيف الناخبين وتعرفهم بالإنتخابات، ووصف العملية التثقيفية بالضعف. انقلاب السحر من جهته قال بروفيسور إبراهيم غندور مسؤول الإنتخابات بالمؤتمر الوطني ان ما تفضل به د. الأصم كلام علمي وضع الكثير من الإشارات التي سيكون لها أثر في توجه القوى السياسية. واكد غندور ان قرار مؤسسات المؤتمر الوطني هو أن تكون الانتخابات في موعدها ليس لأننا مراقبون ولكن لأننا نتحمل تلك المسئولية، لذلك حرصنا أن تكون الانتخابات جزءاً من حوار في الحكومة والمعارضة لإجازة قانون متفق عليه، ونتوقع أن تخرج المفوضية القومية للانتخابات في أي وقت وعلى القوي السياسية أن تكون جاهزة لإقامة الانتخابات في ذلك الوقت. وفيما يخص مشكلة المحكمة الجنائية ذكر غندور ان الذين أرادوا للمذكرة أن تخرج في هذا الوقت قصدوا إضعاف المؤتمر الوطني أولاً وإضعاف مرشحه في الإنتخابات وهو الرئيس البشير ثانياً..وفي المقام الثالث تعطيل التحول الديمقراطي من خلال الانتخابات، ولكن سحرهم انقلب عليهم في النهاية..ووقف الشعب السوداني مع الرئيس بصورة غير مسبوقة وأضافت له بعداً شعبياً غير مسبوق لذلك هي ليست مشكلة لنا ولكن لو استمروا فيها فستشكل معضلة لأنها ستشغل الناس. واعترف غندور بأن المؤتمر الوطني هو حزب قيادات وقد يعتقد البعض أن هناك مشكلة في اختيار مرشحي الحزب للانتخابات لكن نحن حزب مؤسسي لدينا أجهزة هي من تقوم بالترشيح. وعن تحديات الدولة اشار الى ان الشعب قد يشعر بالملل من الذين حكموا لفترة طويلة..وهنا أقول ؤننا قدمنا الانجازات الى الشعب..ففي هذه الفترة تقدم السودان في الطرق والتعليم والخدمات والصحة والاتصالات..واستخرجنا البترول..وقدمنا اتفاقية السلام التي انهت حربا دامت لأكثر من عشرين سنة..كل هذا قدمناه في هذه الفترة. أما عن قضية دارفور فهي ليست وليدة اللحظة ولكنها تشعبت بفعل الدور الأجنبي، ونحن نعمل جاهدين على حل هذه القضية، ورغم العمل على إضعاف المؤتمر الوطني في دارفور فإن زيارات الأخ الرئيس الأخيرة أكدت حجم التأييد الذي يتمتع به المؤتمر هناك. ووصف غندور من يطلق الحديث عن تأجيل الانتخابات بأنه لا يريد أن يقول صراحة إنه لا يريد الانتخابات..فربما يكون غير مستعد.. والبعض يقول ان المدة قصيرة والبعض يتعلل بالظروف المناخية وأقول أن ذلك يجب إأن يترك لمفوضية الانتخابات لتحديد الوقت الملائم، وأقول للذين يتعللون بدارفور أن أغلبها ينعم بالأمن. وفيما يخص القوانين المقيدة للحريات فإنني أعتقد أن القانون الانتخابي واضح في هذا الجانب وينص على الابتعاد عن الأساليب الفاسدة وعدم استخدام امكانيات الدولة وغير ذلك..ونحن نرفع قفاز التحدى ونريد الانتخابات..وبدلاً عن الحديث عن تزوير الانتخابات قبل أن تبدأ على الآخرين أن يتجهوا لهياكلهم ويعملوا على الاستعداد للانتخابات، حتى نصل لحكومة منتخبة تتحمل قيام الاستفتاء الذي سيحدد مصير السودان.