(ستكون كارثة إذا ما جعلنا ما حدث لغادا يحدث مرة أخرى)، كان ما رتن لوثر أغواي قائد قوات الأممالمتحدة والإتحاد الأفريقي المشتركة في دارفور (يوناميد) هو من أطلق هذه العبارة أثناء زيارة قام بها يوم الأحد الماضي لأعضاء الكتيبة النيجيرية العاملة في غرب دارفور، ولم يكن أغواي هو المسئول الأول الذي يزور أعضاء الكتيبة النيجيرية لإبداء تضامنه بعد أن فقدت الكتيبة قائدها شيهو غادا الذي لقي حتفه في حادثة خطف سيارة غربي دارفور، قبل ما يزيد على ثلاثة أسابيع خلال قيامه بأعمال الدورية حينما قام بضعة مسئولين في بعثة اليوناميد بزيارة الكتيبة منذ الحادث ---------------- ولم يمض على حديث قائد اليوناميد أمام جنوده أكثر من يومين حتى وقعت الكارثة التي تحدث عنها مرة أخرى وبأسرع مما كان يتخيل ربما، ففي مساء الثلاثاء هجم نحو ستين مسلحاً على دورية لليوناميد على مبعدة ثمانين كيلو متراً تقريباً شمالي مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور..واشتبك الجانبان في تبادل لإطلاق النار أسفر عن إصابة الضابط النيجيري وموته قبل نقله إلى المستشفى، ونجحت الدورية في القبض على أحد المسلحين دون التعرف على الجهة التي يتبع لها. والضابط النيجيري يحمل الرقم تسعة في قائمة أفراد اليوناميد الذين لقوا حتفهم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فبجانب قائد الكتيبة النيجيرية شيهوا غادا والذي قتل في حادثة الإختطاف، وقبل أقل من عشرة أيام من مقتله لقي سبعة من جنود البعثة مصرعهم في كمين مماثل شمالي دارفور نصبته جماعات مسلحة في مطلع يوليو الماضي. وكونت اليوناميد لجنة للتحقيق في حوادث مقتل ضباطها وجنودها في أحداث متفرقة بدارفور خلال الفترة الماضية. وتعاني بعثة حفظ السلام في الإقليم من تهديدات مستمرة لسلامة أعضائها وجنودها، وعدم اكتمال قوامها من الجنود، بسبب ضعف التمويل وتباطؤ المجتمع الدولي في الوفاء بالتزاماته إزاء البعثة، ولا تقتصر احتياجات اليوناميد على جنود إضافيين فحسب، بل تعاني من نقص في الآليات والمعدات، وطائرات الهليكوبتر التي لم تجد من يوفرها لها حتى الآن، وربما كان ضعف التجهيز هو الذي يغري الجماعات المسلحة بشن هجمات متكررة على دوريات البعثة في مناطق مختلفة، حتى أن البعض بات يتساءل عما إذا كانت القوة ستحمي المدنيين أم تحمي جنودها وضباطها من هذه الهجمات المتكررة. ويطالب مسئولو اليوناميد المجتمع الدولي بصورة متكررة منذ فترة بالوفاء بالتزاماته إزاء البعثة وتحقيق السلام في الإقليم، وعقب الحادثة الأخيرة استعجل نور الدين المازني المتحدث باسم البعثة في حديث مع (الرأي العام) المجتمع الدولي في توفير الآليات لقوات حفظ السلام للمساهمة بشكل فعال في توفير الأمن والاستقرار قبل التوصل إلى السلام، ووصف عملية الهجوم بأنها (رخيصة) ولا يقوم بها شخص يدافع عن قضيته. من جانبها تقول الحكومة بشكل متكرر أنها تقدم ما في وسعها لإنجاح مهمة اليوناميد، وتطالب بدورها المجتمع الدولي بتقديم الدعم اللازم للبعثة لتكون قادرة على النجاح في تنفيذ مهامها، وعقدت أمس الأول الآلية الثلاثية بين الحكومة والأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي اجتماعها الأول، وقال على الصادق الناطق باسم الخارجية أن الاجتماع تناول الجوانب الفنية وكل ما يتعلق بنشر الهجين في دارفور ممثلاً في الحرية والحركة وكل ما تحتاجه اليوناميد لحماية القوافل، والأراضي والمياه والتأشيرات.ويبدو أن مصير بعثة اليوناميد واحتمالات نجاحها مرتبط بالتطورات السياسية، ويصر السودان على أن تتشكل القوة من جنود أفارقة بينما تطلب قوى دولية مؤثرة انضمام جنود من دول غير أفريقية للبعثة، ويقول البعض أن السبب وراء تباطؤ المجتمع الدولي في توفير احتياجات القوة يشكل نوعاً من الضغط على الحكومة للقبول بجنود غير أفارقة في البعثة. وليست قضية نشر اليوناميد بعيدة عن ملف السلام في الإقليم الذي تجددت الآمال بحدوث تقدم فيه بعد المبادرة القطرية العربية الأفريقية لحل أزمة دارفور والإشارات الإيجابية التي بدأت تلوح في أفق المبادرة من هنا وهناك. ووفق تصريحات رئيس الجمهورية فإن بعثة اليوناميد بأكملها ربما تصير جزءاً من الماضي إذا ما صدر قرار محكمة الجنائات الدولية بتأييد مذكرة المدعى العام، فقد هدد السودان بطرد بعثة الأممالمتحدة إذا حدث ذلك، ما يربط مباشرة بين مصيراليوناميد وقرار محكمة الجنايات المرتقب، كما توحي التطورات هنا وهناك بأن موافقة القوى الدولية على مد البعثة بالدعم اللازم للنجاح ليس ببعيد عن الملفات الموازية كملف الجنائية وملف سلام دارفور. وحتى ينجلي مصير اليوناميد باكتمال صفوفها وتجهيزاتها وحدوث توافق على انجاح مهمتها، أو بطلب الحكومة السودانية منها مغادرة أراضيها، فإن جنود البعثة وضباطها يبقون عرضة لمثل هذه الكارثة التي تحدث عنها قائدهم أغواي.