مرت علينا قبل أيام ذكرى انقلاب 19 يوليو 1971م، فانقلاب هاشم العطا مثله مثل الانقلابات التي لم تنجح والتي دفع القائمون بها أرواحهم نتيجة لفشلها بدءاً بكبيدة وعبد البديع علي كرار مروراً بحسن حسين ومحمد نور سعد وانتهاء بالكدرو وبلول. ولكن لا تأتي ذكرى انقلاب يوليو إلا مقرونة بحادثة بيت الضيافة التي راح ضحيتها عدد مقدر من الضباط العظام التركيز على حادثة بيت الضيافة ليس من باب المكايدة السياسية فحسب بل لانها بررت للاعدامات التي أعقبتها وقلصت حزباً كان ملء السمع والبصر وفوق هذا وذاك اغتيال ضباط وهم في حالة أسر ولم يكونوا مع أو ضد الانقلابيين أضفى عليها بعدًا تراجيدياً جعلها حلقة مميزة من حلقات العنف السياسي السوداني إلا والمقابر الجماعية التي أعقبت اجهاض محاولة محمد نور سعد فيما اصطلح عليهم بالمرتزقة أو قتلى دار الهاتف من طلاب جامعة الخرطوم والذين ماتوا مع موت قرنق كانت أولى بالتركيز. تميزت حادثة بيت الضيافة ان فاعلها الحقيقي لم يتقين منه حتى هذه اللحظة لهذا ظلت مصلوبة في واجهة المراجعة التاريخية، فهناك من يقول ان انقلابيي يوليو هم الذين فعلوها وهناك من ينسبها للانقلاب المضاد وهناك من يقول ان قوة ثالثة هي التي فعلتها لذلك اقترح أستاذنا الكبير عبد الله علي ابراهيم في هذه الصحيفة ان تشكل لجنة علمية تكون مهمتها استجلاء هذا الامر واقترح ان يكون أستاذ الاجيال البروفيسور يوسف فضل حسن على رأسها ولو سمح لنا أستاذنا ان نعضد اقتراحه ونقول اذا لم تقم جهة أو مؤسسة رسمية بإنشاء تلك اللجنة، فلتكن لجنة اهلية ويكون جميلاً لو غاصت لنا في الدماء التي اريقت في صراع السلطة في السودان، فعلى حسب علمي انه لا يوجد تقرير رسمي في هذا الامر الا تقرير احداث التمرد الأول في الجنوب في اغسطس 5591م (طبعا الآن اخواننا في الحركة يسمونها شرارة الثورة الأولى) ووقائع التحقيق مع مدبري انقلاب نوفمبر 1958م. (ان جينا للحق) تاريخنا الحديث يحتاج لوقفة في كثير من جوانبه، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك مظالم تاريخية تأكدت، ففي ذات انقلاب يوليو ثبت بأن الشفيع احمد الشيخ لم يكن مشتركاً فيه فحسب بل كان ضده وبصورة حاسمة، مثال آخر انتفاضة ابريل 1985 كان اتحاد طلاب جامعة ام درمان الاسلامية هو الذي أوقد شرارتها الأولى ولم يقل دوره عما قام به اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في ثورة اكتوبر 1964 ولكن هناك اصراراً على تجاهل دور هذا الاتحاد في هذه الثورة. مثال ثالث تقسيم الجنوب الى ثلاثة اقاليم في 1983 والامر الذي اعتبر خروجاً بائناً على اتفاقية اديس ابابا نسبه الناس للذين صالحوا النميري في 1978 ولكن الثابت ان الجنرال جوزيف لاقو وهو الطرف الثاني في اتفاقية اديس ابابا ومن خلفه كل اهل الاستوائية هم الذين اقنعوا النميري بتقسيم الجنوب الى ثلاث مديريات. مثال رابع يتهم الناس محي الدين صابر بالغاء الجامعة الاسلامية في أول العهد المايوي بينما فعل ذلك آخرون وكان صابر هو الذي اقترح تحويلها لكلية عربية اسلامية لانقاذ ما يمكن انقاذه وفي ذات السياق يمكن ان نتساءل ماهو دور السودانيين في اغتيال المناضل باتريس لوممبا أما سؤال السنوات القادمة، فهو من قتل جون قرنق؟