تحت عنوان (مسئولة في الاتحاد الدولي للصحافيين، جزائرية تتمنى ارتداء الثوب السوداني) كتبت الأستاذة سامية علي في هذه الصحيفة يوم الثلاثاء الماضي عن صحفية جزائرية تعمل مسئولة عن المشاريع والبرامج في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وفي الاتحاد الدولي للصحافيين. الصحفية الجزائرية قالت إنها معجبة بالثوب السوداني، وتتمنى أن تلبسه. هذه الملاحظة أثارت فيّ كوامن من الأفكار والمتابعات لظرفنا الاجتماعي. أولا: كما هو واضح فالفتاة السودانية، ونحن على وشك أن نقول المرأة السودانية، تخلت عن الثوب، وهذا التخلي يتم بشكل تدريجي، وتزداد سرعة هذا التدرج حتى أصبح مفهوما بشكل عام أن الثوب تلبسه المتزوجات بينما تكتفي البنت غير المتزوجة بلبس الفستان فقط مع وضع غطاء للرأس يكون شكلياً أو حقيقيا حسب وضع الفتاة الاجتماعي، أو حسب إلتزام الفتاة أو أسرتها بذلك الوضع الاجتماعي. طبعا الحديث عن جمال الثوب السوداني وأنه في حد ذاته يشكل زينة للمرأة .. كلام جميل. لكنه لا يعدو أن يكون تعبيراً عن ماض اندثر. بصراحة كلنا رفضنا أن تلبس بناتنا ونسائنا الثوب، والدليل أننا لم نقاوم خلعه، بل في الواقع نحن رحبنا بخلعه ربما لأنه أصبح مكلفا بشكل لا تتحمله ميزانيات متواضعة تعيش في حدودها البيوت السوانية. هذه واحدة. الثانية أن الثوب أصبح غير عملي. إذا خرجت في الصباح قاصدا عملك فستجد أن حوالي ثلث الواقفين في انتظار الحافلات من النساء، والبنات بشكل خاص. المزاحمة على وسائل المواصلات لا تقدر عليها امرأة (ملفوفة) بثوب فضفاض، ينزلق ذات اليمين وذات الشمال. الثوب ارتبط بعهد (المهلة) والحركة البطيئة. لكننا الآن في عهد السرعة، فأصبح الفستان أقرب للزي العملي، سواء كان مناسباً للمزاحمة في الحافلات، أو الوقوف في معامل الدراسة، أو العمل في المصانع. (المهلة) انتهت عندما انطوت صفحة السكون في مجتمعنا، لكن لم تحل محلها (الخفة)، وهي المعنى الأقرب لنقيض (المهلة)، بل حلت محلها كلمات مطابقة مثل الرصانة أو كلمات مناقضة مثل الحيوية. حتى الكلمات التي استخدمت في العهدين تغيرت معانيها. (الانطلاقة) في المعنى القديم كانت تعني الخروج على الآداب والسلوك المعتاد. والفتاة (المنطلقة) كانت تعني الفتاة غير الملتزمة بالمعايير المعروفة. وبالمعنى الحديث كانت تعني الفتاة الماشية على حل شعرها. لكن الانطلاقة الآن أخذت معنى آخر حيث أن الفنان محمد الأمين أعطاها في أحد أناشيده عن ثورة أكتوبر قبل ما يقارب نصف القرن .. ثبتها على المعنى الآخر. وبعد .. زمان كان خلع الثوب مقترناً بخلع التقاليد وربما التدين. الآن لم يعد هذا المعنى واردا. فلا يكاد أحد يربط بين لبس الثوب والتدين أو ربط خلعه بعدم التدين، والدليل على ذلك أن خلع الثوب تم بشكل أساسي في عهد الانقاذ بينما كان الخلع قبل ذلك يتعثر في حياء مثل أية ظاهرة اجتماعية تبدأ متعثرة ثم تكسر الحواجز وتنداح.