هناك ملاحظة لا تدخل في شأن السياسة ولكنها في شأن السياسات، وليس ثمة فرق كبير بين الاثنين، تلك هي قضية سيارات الاسعاف ونظام تشغيلها عندنا في السودان..الهالة الموغلة في الانسانية التي تحيط بعمل الاسعاف الطبي المتحرك لا تمنع اي صحفي لديه رغبة التفكير في ما وراء الخطوط الوهمية(المانعة) من ان يلج الى عالم الاسعاف المحفوف بكل معاني الشفقة والرحمة والتعطف على الانسان وهو في اضعف حالاته. التحقيق الصحفي (المفترض) من الافضل ان يزيل الالتباس بين ضوابط الاسعاف الطبي الخاص وذلك الموسوم بالاسعاف الطبي العام، ولكن المحقق قبل ان يفعل ذلك عليه ان يركن الى عينة عشوائية من المواطنين يسألهم -على طريقة الاستاذ الصحفي عثمان ميرغني التحريضية-: هل الاسعاف الحكومي مجاني ام بمقابل؟(شخصيا وجهت هذا السؤال الى اكثر من صحفي ولم اعثر على اجابة). لنترك المجان والمقابل ونمضي في توجيه السؤال للعينة العشوائية ولنفترض -وهو افتراض له ما يبرره- ان هناك حالة صحية حرجة في البيت او لدى الجيران او في الشارع العام هل تعرفون رقم الاسعاف حتى تطلبونه؟. واذا كنتم تعرفون الرقم فهل تسارعون بالاتصال عليه اثناء الوقوف على واحدة من الحالات الطارئة؟ ام انه يتم اللجوء كما اتفق الى سيارة الجيران او اقرب سيارة؟.ومن هذه النقطة ينتقل المحقق بالسؤال الى الاطباء والمختصين: كم من الحالات الطارئة توفى اصحابها نظرا الى عدم قرب المسعف من مكان الاصابة؟. الاجابة على هذا السؤال سترسم خارطة جغرافية لمكان توافر الاسعاف مقارنة بالكثافة السكانية والنشاط البشري الذي يفترض ان تكون لديه علاقة ما بالوجود الطبي. ثم سؤال تال: كم من الحالات الطارئة ? خاصة حوادث السيارات- توفى اصحابها بسبب الاسعاف الخاطيء من اشخاص توفرت فيهم المروءة والشهامة ولكن انعدمت عندهم الدراية الطبية والعلمية بالاسس الصحيحة للاسعافات الاولية او الثانوية؟. اذا افلح التحقيق الصحفي ان يجيب على هذه الاستفهامات الاولية، فإن التسلسل سيقوده الى الاسس والضوابط التي يتم بناء عليها تحريك سيارات الاسعاف، خاصة الاسعاف الحكومي: ما هو العامل المحرك لسيارة الاسعاف الحكومي؟ هل هي الحالة الصحية لطالب الخدمة، ام الحالة المادية؟. هل يمكن ان تتوافر سيارة اسعاف لمن (يستحق) وهو ذاك الشخص الذي يئن من الالم، قبل ان تتوجه لمن (يملك). دخول الصحفي الى هذا العالم لا يكون من باب الشك في الخدمات الجليلة التي تسديها سيارات الاسعاف وانقاذها للارواح البشرية، ولكن من باب التثبت من القيام بهذه المهمة.