ظهر بين العرب عدد كبير من الجغرافيين من فلكيين ورحالة كلهم افادوا العلم بما الفوه من كتب في علم الفلك او وصف لرحلاتهم وصفاً جمعوا فيه ما شاهدوه خلالها مما يتصل بشتى ضروب المعرفة من تاريخ واجتماع وجغرافيا وغير ذلك. لا يمكن حصرهم في هذا الحيز ولكن لنا ان نذكر أشهرهم مع مراعاة الترتيب التاريخي.. وهؤلاء هم الخوارزمي- سليمان السيرافي- ابن خرازبة- ابن فضلان- اليعقوبي- البلخي- البتاني- الاصطخري- المسعودي- البكري- ابن حوقل- المقدسي- الادريسي- ناصري خسرو- ابو حامد الغرناطي- الهروي- ابن جبير- ياقوت الحموي- الغزويني- العبدري- أبو الفدا- ابن بطوطة- ابن خلدون. لنقف قليلاً بازاء احدهم وهو الخوارزمي- أي ابو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي- أصله من خوارزم- وقد ظهر الخوارزمي في عصرالمامون. وكانت له مكانة سامية لديه فاحاطه بالرعاية ووكل إليه شئون «دار الحكمة» التي انشأها في بغداد. ويعتبر الخوارزمي واضع الأساس الأول لعلم الجغرافيا العربي وذلك ان كتابه صورة الأرض الذي وضع في أواخر عهد المامون- أو في عهد الخليفة المعتصم على ما يراه بعض المستشرقين يعتبر من أمهات الكتب، ويكفي ان نذكر ما سجله عنه المستشرق «نلليتو» الايطالي إذ يقول انه ما من أمة أوروبية كان في مقدورها ان تنتج مثل هذا في فجر نشاطها العلمي.. وقد أورد الخوارزمي في كتابه الاسماء اليونانية القديمة والاسماء المعاصرة لها مما يدل دلالة واضحة علي اهتمامه ببطليموس وتأثره به. وقد اشترك الخوارزمي في وضع الخرائط التي طلبها المامون للارض كما رسم صوراً لوادي النيل بعد ان اشترك في قياس درجة من درجات محيط الأرض. توفي «058» ميلادية. ونأتي إلى مؤرخ آخر هو سليمان السيرافي وهو تاجر عراقي الأصل ظهر في القرن التاسع الميلادي كان مقيماً بسيراف على الساحل الشرقي للخليج العربي وكانت يومئذ ميناء فارسياً هاماً. وقد رحل طلباً للتجارة واجتاز بحار الهند وماراً بسيلان وملقا وزار بلاد الصين ودون اخبار رحلته سنة «158» ميلادية فوصلت إلينا في كتاب لعراقي مجهول يدعى «أبو زيد حسن السيرافي» ذيلها بطائفة من المعلومات عن الهند والصين وبيانات دقيقة عن علاقات العرب بهاتين الامتين في القرنين التاسع والعاشر بعد الميلاد. وتمتاز هذه الرحل والذيل الذي وضعه «أبو زيد» بما فيهما من وصف صادق للطرق التجارية والعادات وأهم المنتجات في الهند وسيلان وجاوة والصين كما ان بها احاديث عن احوال الصين الاجتماعية في ذلك العهد وعلاقة المسلمين بها يومئذ ورعاية ملوكها للمسلمين الذين يقصدونها للاقامة بها ومنحهم نوعاً من الامتيازات الاجنبية إذ كان ملك الصين يولي رجلاً مسلماً للحكم بين المسلمين المقيمين هناك ليصلي بهم ويقيم بينهم احكام الشريعة الاسلامية. في تلك الرحلة ايضاً أول اشارة لمؤلف غير صيني عن الشاي، فقد جاء عنه «أن» عند أهل الصين حشيشاً يشربونه بالماء الحار ويقال له الساخ وفيه مرارة ويغلي الماء ويذر عليه منه. وفيه يروي اشارة إلى ان بضم اصابع اليد عوضاً عن الامضاء كان امراً مألوفاً في الصين وتعتبر رحلته هذه أساساً لها ألف بعدئذ من قصص للسندباي البحري، لما ورد فيها من اخبار عجيبة.