بعض الزملاء وخاصة الجيل الجديد منهم يستنكرون حنين جيلنا الى الزمن الجميل.. وكان آخرهم عادل الباز قبل نحو اسبوعين. فقد افتى رئيس تحرير «الاحداث» ان الزمن الجميل «مجرد وهم خطير في حياتنا» ويضيف الاستاذ «ليس هناك زمن جميل». دعونا نفند مزاعم هؤلاء الكتاب الذين ينفون وجود اي زمن جميل.. نعم شهدت بلادنا سنوات مزدهرة حتى نهاية السبعينيات تدعونا بشدة لاجترار ذكريات الزمن الجميل.. ودعونا نورد بعض الامثلة- مجرد عينات من بين عشرات بل مئات الامثلة لا سبيل لايرادها كلها في هذا الحيز الضيق. عندما كنا صغاراً كنا نرتاد عيادة القرية سعياً للعلاج حيث كان يستقبلنا المساعد الطبي والممرض والخفير بالترحاب ونجد عندهم الرعاية الطبية.. مجاناً. وفي نفس القرية كانت مدرستنا «الاولية»، مستعدة لاستقبالنا باساتذتها المؤهلين تأهيلاً كاملاً وبكنباتها التي كنا نجلس عليها بارتياح ونفوسنا متفتحة للتعلم. وفي المرحلة الوسطى بدأ تعلم اللغة الانجليزية وكانت الوجبات الغذائية الثلاث في الداخلية في مواعيدها المحددة، وكنا نندفع الى الفصول الدراسية بحماس. والمدارس الثانوية كانت تجمع طلاباً في الداخليات من مختلف ارجاء السودان فتوثقت الصلات بينهم، رغم اختلاف قبائلهم وتباين لهجاتهم. وكانت ميادين الرياضة في كل مراحل التعليم مهيأة لمختلف المناشط.. كرة قدم وسلة وطائرة وتنس طاولة وسباحة.. الخ. كانت الجامعات السودانية على قلتها وخاصة جامعة الخرطوم مفخرة يفتخر بها السودان. اما خريجوها فقد كانوا شبه ضامنين للوظائف حيث كانت «الجدارة والكفاءة» وليست «الواسطة والانتماء السياسي» كانتا المعيارين المحددين في التعيين لملء الوظائف الشاغرة في دواوين الدولة. ايام الزمن الجميل كان السودانيون في الشتات يتمتعون بصفات الأمانة والنزاهة والخلق القويم واينما ذهبوا حلوا ضيوفاً مكرمين معززين وكانت مساهماتهم واضحة في انشاء دول الخليج الوليدة. وأضرب مثلاً لذلك بمساهمة السودانيين في ترقية الرياضة في بلاد الخليج واذكر عند بداية عملي في سلطنة عمان والامارات العربية لاحقاً في السبعينيات ان عدداً ضخماً من لاعبي ومدربي كرة القدم في الفرق الخليجية كانوا سودانيين بل ان جمهور المتفرجين في مدرجات ميادين كرة القدم كانت غالبيتهم من ذوي العمم البيضاء- رمز «الزول». وزيادة على ذلك كثيراً من الاعلاميين الرياضيين في وسائل الاعلام الخليجية- صحف وتلفزيون- كانوا سودانيين واذكر منهم كمال طه الصحفي الرياضي الشهير الذي كان يعمل معنا في صحيفة «الايام» الخرطومية، وأظن انه ما زال يعمل منذ عشرات السنين في صحيفة «الخليج» التي تصدر في امارة الشارقة، وياسر أبشر الذي كان يرأس قسم الرياضة في صحيفة «الاتحاد الظبيانية» وكثيرين غيرهما. ولا انسى ابداً المرحوم احمد قنديل الحكم الدولي عندما ظهر في اواخر السبعينيات عبر شاشة تلفزيون سلطة عمان وهو يرتدي قميصاً «تي شيرت» مكتوباً على واجهتيه بخط عريض كلمة «sudan» وهو يلقي محاضرة عن التحكيم على الشباب العمانيين.