كانت «الحمير» قديماً في السودان تعتبر إحدى وسائل المواصلات الناجعة الخالية من الغرامات و«الايصالات المالية» ومصروفات البنزين و«السمكرة» الخ.. وفي ام درمان تحديداً كانت تعتبر مواصلات داخلية مميزة.. خصوصاً عندما يشهد أحد أحياء ام درمان مناسبة معينة.. حيث تشهد الزريبة المخصصة لإيقاف عربات الكارو إزدحاماً واضحاً.. وصارت مكانة الشخص صاحب المناسبة تقاس على ذلك الأساس.. فصاحب المناسبة الذي تكتظ زريبته بعربات الكارو التي تحمل الضيوف هو انسان ذو مكانة اجتماعية لا يستهان بها.. لكن المشهد اليوم اختلف وحلت العربات الفارهة مكان الكارو والترحيلات.. في مرآب سيارات آنيق يعكس مكانة المضيف.. وتراجعت شعبية «الحمير» بصورة ملحوظة بعد ان كانت وحتى وقت قريب ملء السمع والبصر.. لكن بالرغم من ذلك نجد ان بعض «الحمير» لا زالت تجاهد للحفاظ على موقعها الاجتماعي والتاريخي فحمار «سيد اللبن» لا يزال يتواجد وإن قل ظهوره بعد دخول «البكاسي» التي تسببت في إنهيار امبراطوريته.. وعلى العكس في الولايات المختلفة فما يزال الحمار يحتفظ ببريقه فهناك «حمار الخضار» و«حمار الخلا» الذي تقتصر مهامه علي نقل المزارعين للاراضي الخالية لتعميرها وأيضاً هنالك «حمار الموية» الذي يظهر في العاصمة القومية عند الأزمات مثل أزمة المياه الحادة التي شهدتها الخرطوم حيث أبلى فيها «الحمار» بلاءاً حسناً وهو يقوم بحمل «براميل» المياه على ظهره الذي ألهبته سياط صاحبه الغليظ القلب. ولا ننسى أيضاً «حمار الجاز» الذي كانت صوت أجراسه وحتى وقت قريب بمثابة صوت مألوف يدفع ربات البيوت للخروج عز الهجير وبين أناملهم جالون قديم فتح فمه ف ي «عفوية» طالباً ان يرتوي من تلك المادة النفاذة الرائحة.. كثير من الناس ما يزال يذكر بعض ملامح طفولته التي لم تخلو من سياط «سيد الكارو» وكرباجه الذي يترك آثاراً واضحة علي الاصابع الصغيرة عندما تتعلق بمؤخرة العربة الخردة مسببة بذلك حملاً زائداً وإرهاقاً فرضته شقاوة السن.. ولا يزال آخرون يذكرون «جوكية الحمير» الذين كانوا يقومون باستئجار «الحمار» من صاحبه بمبلغ معين يتفق عليه الطرفان لتأتي «الركشة» وتقتبس تلك المعاملة التجارية من دنيا «الحمير».. العم «سليمان أبو داؤود» أقدم صاحب عربة كارو في منطقة «بريش حكى لنا عن ولعه باقتناء الحمير متحسراً على تراجع مكانة «الحمار» في الخرطوم.. وقال: «ياخي الحمار دا من شدة ما كان محبوب.. دخلناهو بيوتنا وشيلناهو هدومنا» في إشادة منه ل «حمار الهدوم» الذي كان حتى وقت قريب وسيلة ناجعة لحمل الملابس ونجد ان هناك أنواع عديدة للحمير منها «الحمار الصعايدي» والذي يوصف بالمرغوب جداً لاعتماد بائعي اللبن عليه في عملهم لأنه يقطع مسافات طويلة ويمكنه حلم أوزان زائدة بسهولة.. وأيضاً «الحمار الحر» الذي يتميز بسرعته الكبيرة وحجمه الصغير.. و«الحمار البلدي» و«حمار المكادي» المشهور.. كما تتراوح أسعار الحمير ما بين «003» جنيه إلى «الف» جنيه.. عموماً تبقى مكانة «الحمير» في الخرطوم تتأرجح بين البقاء أو الرحيل.. لكن يبقى «حمار كلتوم» هو الاشهر قاسمه اضواء الشهرة «حمار عم عبد الرحيم» الذي تغنى له الراحل «مصطفى سيد أحمد» وهو يتلمس أوتاراً حساسة لم يجد أفضل من «الحمار» لكي يحملها على ظهره.. بأعتباره «شيالاً للتقيلة» خصوصاً ان كانت تلك التقيلة «سياسية» في المقام الأول..